شعار قسم مدونات

في ذكرى الهزيمة المُرّة

blogs رابعة

نتذاكر الآن عنوة أربع سنوات مضت على الهزيمة المرة من سنواتنا العجاف التي لا نعلم متى يأذن الله بنهايتها أو نهايتنا، نعم نقر ونعترف بأن اسمها "هزيمة" ولن نحاول أن نجّمل الواقع ونطلق عليه كلمات خفيفة الوطأة على الأسماع كما حاول أذناب الشياطين أن يفعلوا في إحدى هزائمنا التي وصفوها بـ "النكسة"، لا بل نريد أن نقرع العقول ونزلزل القلوب عن عمد.

 

ذكريات الأشلاء والدماء التي تتوارى أمام تلاوم الناجين بعد المذابح، نعم نجونا بأجسادنا وتركنا أرواحنا خلفنا بسنوات تطاردنا، وكأن الجسد يسير إلى الأمام ويجر خلفه الروح بسلاسل تأبى أن تترك الزمان والمكان، ذاك الوقت الذي قُتل فيه العزيز حسام عبد الناصر ورفاقه دون ذنب في مذبحة رابعة وما تلاها من المذابح، ليثب العقل الآن مستيفقًا من ثُباته بعد كل هذا الغط في النوم العميق، ويُلقى في البال سؤالًا من أجل ماذا قُتل هؤلاء؟

 

كف عن إيذائي بمثل تلك السخافات اللامنطقية التي تجافي وجودك، فقد قدتني إلى هناك يومها، وكدت أن ألقى حتفي بجانبهم، أين كنت وقتها، لا تدعي الحكمة بأثر رجعي على نفسي المثقلة بإحساس بالذنب يكاد يقتل أحيانًا، ومعذِبًا محترفًا هو في أحايين أخرى دون القتل الذي أطلبه منه في أيام ولا أناله.

 

لقد عوقبنا جميعًا بذنب الذين قتلوا بالتيه -برنا وفاجرنا- وأشعر أن من بين هذه العقوبة غير معلومة المدة التي نقضيها، أن تأبى هذه الذكرى النسيان أو المرور بلا أثار أو ندبات على الروح، وأن تظل الأسئلة بلا إجابات

أنت الذي يتذكر كل التفاصيل التي أحاول أن أهرب منها، أنت من سرحت بي أيامًا في أحلام أهلكتني، أنت الذي تحاول إقناعي إني ناج وهم رحلوا، بل مللت من القول لك تالله هم الناجون، وأنا الذي رحلت. رحلت إلى الدنيا ولكن دون مسلك وبلا طريق كلما نظرت إلى أثار أقدامي في الماضي، ورغم ذلك لا زلت أواصل السير، ربما بقوى الطبيعة التي تحتم على الطعام والشراب أن يوّلد الطاقة لتتحرك القدمين، ولكن دون أن تعلمان إلى أين المستقر.

 

لقد عوقبنا جميعًا بذنبهم بالتيه -برنا وفاجرنا- وأشعر أن من بين هذه العقوبة غير معلومة المدة التي نقضيها، أن تأبى هذه الذكرى النسيان أو المرور بلا أثار أو ندبات على الروح، وأن تظل الأسئلة بلا إجابات، في حين تزداد العقوبة في إيلامنا كلما تذكرنا حلاوة ما تركناه خلفنا، وخفة روحنا وقتها، وعدم سعة الكون الذي نعرفه لأحلامنا، وفجأة نستفيق داخل جرة ماء فارغة مظلمة بلا حُلم سوى أن يأتي من يكسرها علينا حتى لو بهذا هلاكنا.

 

ستظل ذكرى الثورة بالنسبة إلى جيلي أحلى وأعذب اللحظات، وستظل الهزيمة أمر وأنكر الأوقات علينا، والأكثر فجعًا إننا لم نستطع أن ننهزم هزيمة مشرفة على قدر أحلامنا وطموحاتنا التي خوضنا المعركة من أجلها، ما يحز في نفسي أكثر وأكثر أن نهايتنا كان أتفه بكثير مما توقعنا، وأيسر على الطغاة مما كان ينبغي أن تكون.

 

سيتأتي من يحاجج بالمنطق ليخفف عنا أثر الهزيمة، ويسوق إلينا آمالًا لتجاوز المحنة، بالقول أنها لم تكن معركتنا، وأن ما حدث كان رغمًا عنا، وأن فلانًا مسؤول، وكبارنا أوردونا المهالك، وكنا وقود حرب، وكذا وكذا.. ، ربما يصدقك عقلي، إلا إنني أعتذر منك فلم أعد أصدقه أنا بعد!

 

عزيزي هذا النص غير موضوعي غير أكاديمي لم يخرج من فم مدرب للتنمية البشرية، ليس بنبي ولا قائد تاريخي، كف عني كل تراهات الدروس والعبر، ولتأخذ العزاء ودعنا نرثيهم في صمت مهيب يليق بجلال الموقف، وإن شئت فأسمعني لعناتك المصبوبة على الهزيمة فقط. يا ليت كل الأيام كانت يناير، ويا ليتنا ما ولدنا يوم رابعة وأخواتها..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.