شعار قسم مدونات

أزمة القيادة لدى الإسلاميين

blogs - جماعة الإخوان المسلمين
نقلت كتب السير والمغازي بأن قبيلة هوزان ومعها ثقيف أجمعت على منازلة المسلمين ومحاربتهم بعد أن دخلت مكة الإسلام وأصبح أهلها مسلمون، لأنهم اعتبروا ذلك تهديدا لوجودهم، فأمرَّوا عليهم مالك بن عوف النصري وجعلوه القائد الأعلى للمعركة، فبسبب قلة خبرته في الحرب اصطحب معه النساء والأطفال والمواشي إلى ساحة المعركة ليكونوا حافزا للمقاتلين، ولكن الخبير المجرب الدريد بن الصمَّة الشاعر الجاهلي الضرير لم يعجبه من صنيع هذا القائد الشاب الدالة على قلة خبرته في فن القيادة فقال له قولته المشهورة: راعي ضأن والله! وهل يرد المنهزم شيء؟ إنها إن كانت لك لم ينفعك إلا رجل بسيفه ورمحه، وإن كانت عليك فضحت في أهلك ومالك.
والشاهد من هذه القصة هو أن القيادة فن وموهبة يسبقها تدريب وتمرين ثم يعقبها تمحيص وتجربة تراكمية تستمر بسنوات مع تنميتها وتعاهدها بشكل دوري، ولا تتأتى بيوم وليلة أو بهتاف من المؤيدين الدهماء، أو بأن مجلس شورى جماعة ما ارتأت بأن فلانا من الحركة حصل على أصوات كثيرة في التصويت الداخلي فوجب تنصيبه قائدا من غير التحقق في أهليته وملاءمته في هذا المجال الحيوي.

اعتقدوا أن هتاف الجماهير كفيل بأهليتهم لقيادة البلد من غير خبرة وممارسة في كيفية إدارة الدولة، ولا استعانة بأهل الخبرة والتجربة.

وأكبر خطأ ترتكبه الحركة الإسلامية في كل مكان وزمان هو اعتقادها بأن كل من قرأ آية أو حفظ حديثا أو ارتقى على درجات المنبر أو تصدر للتدريس والتوجيه العام (مع العلم بأن حفظ العلم ونشره من أفضل القربات، وخير الناس أهل العلم) يصلح بأن يكون قائدا أمميا ما دامت الجماهير تصفق له من دون وعي، ولأجل هذا التصور الخاطئ اقتحم في باب الإدارة والقيادة من لم يخلق لها، فأفسد من حيث أراد الإصلاح، وجرَّ إلى الحركة الإسلامية متاعب ومآسي كانت في غنى عنها.

ومما عمق أزمة القيادة لدى الإسلاميين هو تصورهم بأن صلاح الفرد واستقامته وحسن نيته وحبه للخير وإخلاصه، وانضمامه إلى حركة إسلامية كافية بأن يصبح قائدا أو رئيسا أو وزيرا أو مديرا عاما من غير اعتبار للكفاءة العقلية والعلمية، وأن النصوص الواردة في الكتاب والسنة المتعلقة في طاعة الأمراء والولاة، تعفي عنه من كل الشروط ذات الصِّلة في آداب الأحكام السلطانية وأحوال الولاية.

وكثير من أعضاء التيار الإسلامي تولوا مناصب قيادية في داخل حركاتهم قبل توليهم مراكز إدارية ذات شأن عام، ولم يستطع عدد غير قليل منهم في إدارة مجموعة من الأفراد أو مؤسسة تعليمية أو خيرية على الوجه الصحيح، بل غلب على أعمالهم الارتجالية وعدم التخطيط المحكم، والغريب من فشل فى قيادة أفراد أو لم يُوفَق في العدل فيما بين جماعته يريد أن يتولى مسؤولية عامة لا يجوز لمن يحوز بها التفريق بين الناس بأي سبب من الأسباب، لأن النظام الحركي يعطي الأولوية للأعضاء، بينما النظام العام للجميع، فمن تربى على نظام المحاصصة يصعب عليه التعامل مع نظام يتساوى فيه الجميع، ولذلك لما تولى بعض الإسلاميين المرافق العامة لم يستطيعوا التمييز ما هو عام أو خاص، مما تسبب في فشلهم.

وفي السنوات الماضية تمكن بعض الإسلاميين الوصول إلى مراكز متقدمة في جهاز إدارة الدولة السياسي، ولكنهم فشلوا فشلا ذريعا أو أُفشلوا بسبب قلة خبرتهم وضحالة معرفتهم في دهاليز الحكم وتشعباته، لأنهم اعتقدوا بأن هتاف الجماهير – أتباع كل ناعق – كفيلة في أهليتهم لقيادة البلد من غير خبرة وممارسة في كيفية إدارة الدولة، ولا استعانة بأهل الخبرة والتجربة، ولو كانوا مخالفين لهم في التوجه والمشرب، لأن الهدف الأسمى من السياسة هو خدمة الشعب وتطوير البلد.
 

الحركات الإسلامية في مصر والصومال وليبيا والسودان وغيرها من الدول الإسلامية أو الحركات الإسلامية العاملة بين الجاليات الإسلامية في الغرب، ستجد أكبر أزمة تواجهها هي
الحركات الإسلامية في مصر والصومال وليبيا والسودان وغيرها من الدول الإسلامية أو الحركات الإسلامية العاملة بين الجاليات الإسلامية في الغرب، ستجد أكبر أزمة تواجهها هي "معضلة القيادة"

وقد يجادل البعض بأن الإسلاميين لم يفشلوا في كيفية إدارة الدولة بل أبدعوا في مسيرتهم طول حياتهم، ولكن قوى الشر أجمعت في إفشالهم وإرباكهم لإزاحة المشروع الإسلامي في أداء دوره في قيادة الأمة. وقد يُتهم بمن يقول إن الإسلاميين فشلوا في إدارة الدولة بمعاداة المشروع الإسلامي برمته والوقوف مع أعداء الدين جنبا إلى جنب، وهي تُهم معدة مسبقا لتخويف الناس، ومنعهم من مراقبة أداء المسؤولين، ويستخدمها كل من فشل في عمله.

إذا أراد الإسلاميون قيادة الأمة يجب عليهم تطوير أنفسهم وتدريب أعضائهم ممارسة فن القيادة داخل مراكزهم، والسماح للموهوبين  بتقلد مراكز قيادية.

الإسلام دين رباني معصوم، وما يقوم به الإسلامي عمل بشري يحالفه النجاح مرة، ويكتنفه الخطأ مرات أخرى، وادعاء التلازم بين الإسلام وبين الإسلامي، وحمل أخطاء الإسلاميين على الإسلام جناية غير أخلاقية. والأمثلة في هذا المجال كثيرة لا يمكن حصرها، فالحوار الطويل الذي أجراه برنامج "شاهد على العصر" مع الدكتور حسن الترابي -رحمه الله- زعيم الحركة الإسلامية في السودان خلال أكثر من نصف قرن، يلاحظ المشاهد بأن أخطاء الإسلاميين واتكالهم على تأييد الجماهير من دون خبرة كافية في إدارة الدولة كانت الكارثة الكبيرة الذي أفشل المشروع، وإن كان الشيخ الترابي حاول إلصاق الفشل على العسكر، إلا أن الأمر لم يكن كما ذهب به، بل يتحمل الإسلاميون الجزء الأكبر في تشويه وتأزيم الوجه الناصع للحكم الإسلام الشريف.

ويسرد الدكتور المنصف المرزوقي الرئيس السابق في تونس بعد إطاحة نظام ابن علي في انتفاضة شعبية عبر برنامج "شاهد على العصر" ما وصفها بسوء المعاملة وفقدان الحنكة السياسية والإدارية لدى شركائه من أعضاء حركة النهضة في تكوين منظمومة سياسية تكون نواة أولى لإعادة الاعتبار في بناء الدولة الحديثة التي تعتمد على الحقوق والواجبات والمواطنة الكاملة، لأن الجماعة – حسب تعبير الدكتور المرزوقي – لم يعتبروه شريكهم في الحياة السياسية بل صنفوه في خانة الخصوم والأعداء، معتمدين على اعتبارهم بأنهم أكثر الأحزاب تمثيلا في مقاعد البرلمان، ومتناسين بأن وصولهم إلى كرسي رئاسة الحكومة جاء عقب توافق حزبي بينهم وبين حزبين آخرين، ولولا هذه الشراكة لما تمكنوا في تشكيل الحكومة.

وقد يقول قائل لا يجوز قبول قول الخصم إلا بعد سماع الطرف الآخر، وهو كلام وجيه وصحيح، ولكن كما يقال ليس الخبر كالمعاينة، فأحوال تونس اليوم تشهد بأن سوء تقدير الموقف من قِبل من كان بأيديهم صلاحية إدارة الدولة أوصل إلى ما هي الآن، ثم إن بعض الحركيين الذين كانوا جزءا مهما في إدارتها العليا، أصبحوا اليوم خارج الحركة، لأن الخلاف الذي ينشب بين كثير من الإسلاميين ينتهي غالبه إلى الاستقالة والانسحاب من الجماعة.

وإذا أمعنا النظر في أحوال الحركات الإسلامية في مصر والصومال وليبيا والسودان وغيرها من الدول الإسلامية أو الحركات الإسلامية العاملة بين الجاليات الإسلامية في الغرب، ستجد بأن أكثر أزمة ومشكلة تواجهها الحركات هي "معضلة القيادة"، وأصبح علاجها من المستحيلات السبعة.

وأخيرا إذا أراد الإسلاميون قيادة الأمة وتسلم المسؤولية يجب عليهم تطوير أنفسهم وتدريس وتدريب أعضائهم في ممارسة فن القيادة داخل مراكزهم، والسماح للموهوبين منهم في تقلد مراكز قيادة في تسيير أعمال الحركات، وكذا الاستعانة بالمراكز والخبراء في هذا المجال، وإلا فستبقى هذه الأزمة (أزمة قيادة) الغول الذي يهدد مستقبل الحركات الإسلامية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.