شعار قسم مدونات

الفريق شفيق وانتخابات 2018!

blogs - أحمد شفيق
عندما تم الإعلان عن خوض الفريق أحمد شفيق للانتخابات الرئاسية في مصر التي ستجري في سنة 2018، سألت أحد المقربين منه عن مدى صحة الخبر، فأكد لي أنه خبر صحيح مئة في المئة إلى الآن! كان هذا بعد إعلان حزب "الجبهة الوطنية" الذي يتزعمه أحمد شفيق، وقبل أن يتم النشر في بعض المواقع المهمة، عن نية آخر رئيس حكومة في عهد مبارك في الترشح. ولم يعلن الحزب بشكل قاطع عن خوض الرجل للانتخابات، وإنما قال أنه في حال ترشحه فسوف يعلن هذا من القاهرة، لكن لأن ترشحه لم يكن مثار حديث على الأقل هذه الأيام، فقد جاء هذا الإعلان وإن كان لا يقطع بشيء، إلا أن كثيرين اعتبروه قراراً لا يحيط به الاحتمال من أي جانب!

ولم يثر الأمر اهتمامي، فقد اعتبرت أن الفريق أحمد شفيق يفكر بصوت مسموع، أو أنه يجس نبض الأطراف المعنية، وليس من بينها الجيش بالمناسبة، وذلك قطعاً للطريق أمام بعض الذين كذبوا حتى صدقوا أنفسهم، واعتبروا أن عقدة الانقلاب العسكري هي بيد الجيش، وهذا ليس صحيحاً البتة، فقد انتهى حكم الجيش لمصر عملياً منذ حل مجلس قيادة الثورة، وأصبح الرئيس هو من يقرر المصير، ومن أيام عبد الناصر، إلى السادات، مروراً بمبارك، ووصولاً للسيسي!

فالجيش لم يجتمع كمؤسسة ليقرر الانقلاب على الرئيس محمد مرسي، لكن الأمر كان يدار من قبل أطراف إقليمية ودولية، وقرار الانقلاب اتخذ في الإمارات بتأييد سعودي، قبل أن يستدعى عبد الفتاح السيسي كأداة له، ومن هنا فهذا الإعلان هو في الحقيقة لجس نبض الطرف الإقليمي ابتداء، وللتأكيد له أن الرجل الذي نافس على الرئاسة بقوة ضد مرشح جماعة الإخوان المسلمين لم يستسلم لوضعه الحالي الذي هو والموت سواء، ولكنه جاد في الاستمرار في طريقه حتى النهاية. ويمكن بالتالي أن يتراجع عن قراره إن لم يجد موافقة من هذا الطرف الأصيل في المعادلة، كما تراجع عن خوض أول انتخابات رئاسية بعد الانقلاب!

undefined

الفريق أحمد شفيق، له سوابق في الإعلان عن الترشح والتراجع، والأمر لا يرجع إلى الانتخابات الأخيرة فقط، ولكنه يعود إلى الانتخابات الأولى، فقد كان أول من أعلن ترشحه لها، وربما لم يسبقه إلى ذلك سوى الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، لكن عند كل إعلان للواء عمر سليمان بأنه سيخوض الانتخابات، كان يقرر عدوله عن الترشح، ويختفي سليمان فيعود إلى جولاته الانتخابية، وظل هذا التردد حتى اللحظات الأخيرة، وهو أمر كاشف عن عدم وجود خط اتصال بينهما حينئذ.

ومهما يكن، فبدون خيار ثوري يطيح بالمنظومة الحالية، ويسقط الانقلاب العسكري، ومن ثم يعيد مرحلة الانتخابات النزيهة، فيصبح من حق أي مصري الترشح ما دامت تنطبق عليه الشروط القانونية، يظل أحمد شفيق هو الخطر الحقيقي على عبد الفتاح السيسي، وهو القادر على إسقاطه بنفس الأدوات التقليدية!

فلا يمكن للسيسي أن يزايد على شفيق بقصة الانتماء للمؤسسة العسكرية، فانتماء شفيق لها أكثر أصالة، كما لا يمكنه أن يزايد عليه بالتعبير عن الدولة العميقة، فالسيسي فشل إلى الآن في أن يكون رجلها المختار، وهو اختزل الدولة في شخصه، وأحدث تغييراً في بنية هذه الدولة، بأن أزاح رجالها، واصطنع شخصيات مزيفة للتعبير عنها، روعي ألا يكونوا من أهل الوجاهة الاجتماعية ليتمكن من السيطرة عليهم، وإذا كان يرأس الدولة المصرية منذ انقلاب 1952، من هم خارج السياق الاجتماعي، ومن عبد الناصر إلى السادات إلى مبارك، فقد كان عندهم من يجيدوا التعامل مع العائلات الكبرى في الريف..

نجح الانقلاب، لكن شفيق استمر في الإمارات، حتى بعد الحكم ببراءته، لأنه يدرك تماماً، أن عودته معناها، إدخاله السجن بقضية يمكن صنعها في التو واللحظة.

وكان آخرهم كمال الشاذلي في دولة مبارك، وإن كانت العلاقة مع المنظومة العائلية القديمة، قد شهدت اضطراباً، فقد كان أمين التنظيم الجديد بالحزب الحاكم "أحمد عز"، هو من ذات سلالة السيسي، لا يجد أهميته معها فبحث عن خلق جديد، وكانت البداية في اشتراط الحصول على مؤهل جامعي في قيادات الحزب الوطني في كافة التشكيلات، لعلم التيار الجديد، أن الوجهاء والأعيان، ينتمون إلى جيل المتعلم فيه يكتفي بمرحلة "فك الخط"!

وقد بدأ تجريف الدولة القديمة، بشكل جزئي في بداية التسعينات، على يد وزير الداخلية عبد الحليم موسي، الذي كان يريد من يسعفونه في مواجهة الإرهاب بالصعيد، عندما أطلق شعار الضرب في المليان، وكان الأمر قبل وفق نظرية الضبط الاجتماعي، التي تجيدها الزعامات التقليدية في الريف، وعينت الوزارة في مواقع العُمد، من هم بالكاد لا يصلحون سوى مرشدين للمباحث، أو مخبرين للأمن، ثم أوكلت لمن ينتمون للعوائل المتواضعة مهمة مواجهة الإرهاب، فوجدوا في القرب من السلطة ما يمنحهم أهمية، وتم السماح لهم بالاتجار في المخدرات، وتحولوا بمرور الوقت إلى عصابات تهدد الأمن مثل "عزت حنفي" وغيره!

وعندما قامت الثورة، كانت سلطة مبارك قد افتقدت الحماس لها، فلم تعد الدولة القديمة مهتمة باستمرار هذه السلطة، ولهذا لم تحدث أي مواجهة على أي مستوى، إلا بشكل فردي كما حدث من قبل أحد "نواب المرحلة" في قنا، والذي اعتبر أن دوره النيابي استمراراً لدوره الأمني كضابط سابق بمباحث أمن الدولة، وقيل أنه كان بارعاً في التعذيب، فأراد أن يواجه الثورة كضابط، وليس ككبير في قومه، فحوصر داخل مقر الحزب الوطني، ولم تنقذه عائلته، وإنما كان جاءت مدرعة من الجيش لتخرجه وتذهب به إلى بيته!
undefined

 

وقد سيطر على سؤال في أيام الثورة وهو ماذا لو جاءت الحشود من الصعيد إلى ميدان التحرير لتدافع عن بقاء مبارك؟.. ولم أكن أعلم أن الحماس له لم يعد قائماً، وأن نجله قطع علاقته بمكونات هذه الدولة، وكان عبد الناصر ذكياً، فحصر معركته مع الإقطاعيين فقط، ولم يلتفت إلى الانتماء السابق لهذه العائلات، واستعان بها في تنظيمه السياسي!

بعد فترة من قيام الثورة، وجدت الدولة القديمة، أنها تتعرض للتهميش الكامل، فوجدت في الفريق أحمد شفيق، أنه مرشحها المختار، لتبقى على وجودها، ولهذا كانت نتيجة الإعادة مدهشة، فالفارق بينه وبين مرشح الثورة، ومن ينتمي لأكبر حزب قائم، متواضعة، وكان الحشد لشفيق، أكبر من الحشد لمبارك في آخر انتخابات له.

أحمد شفيق، صاحب تجربة في خوض انتخابات رئاسية حقيقية، ويستطيع أن يجد له في كل لجنة مندوباً، وهو أمر لا يمكن للسيسي أن ينافسه فيه، والتيار الإسلامي هو الوحيد القادر على المنافسة بجدارة.

هناك نقطة ضعف في شفيق في هذه الانتخابات، فقد كان محسوباً على نظام أسقطته الثورة، وهو الباب الذي دخل منه المشير محمد حسين طنطاوي وابنه البكري مدير المخابرات الحربية لضربه في مقتل، وبالدفع بالثوار ليعلنوا ضرورة إسقاطه فلا يجوز أن يستمر رئيسا للحكومة وقد عينه "الرئيس المخلوع"، وكان هذا هو الحق الذي يراد به باطل!

"طنطاوي"، الذي كان يستمد قيمته لدى مبارك، من أنه مكروه داخل الجيش ولدى الأجهزة الأمنية، وجد في الفريق أحمد شفيق قوة منافسة، فلا يمكنه أن ينفرد بالحكم، وإذا كان قد تخلص من نائب رئيس الجمهورية اللواء عمر سليمان بسهولة، فإن شفيق صار عقبة كئود أمامه، فاستعان ببعض شباب الثورة في انجاز مهمته بالإطاحة به، وقام نجيب ساويرس برعاية أهداف الحاكم العسكري، واستغل في ذلك الدكتور علاء الأسواني، الذي وجد في استضافة "أون تي في" لصاحبها ساويرس، له مع شفيق فرصة لتعزيز نجوميته وليصبح حديث الناس!

لم يتوقف أحد، ليقول أن الذي اختار "أحمد شفيق" رئيساً للحكومة، هو نفسه من أختار المجلس العسكري لإدارة شؤون البلاد، وهو الرئيس المخلوع، فقد كنا غارقين لشوشتنا، في الفيلم الهندي، الذي يدور حول أن الجيش حمى الثورة، وأن مبارك أمر طنطاوي بضرب الثوار بالنابلم فرفض، وأن الجيش هو الذي أجبره على التنحي، وهو ما نفاه طنطاوي تماماً، لكن هذا النفي كان في شهادة سرية لتبرئة مبارك من التهم الموجهة إليه.

ومن هنا، فقد بدا عزل الفريق أحمد شفيق، أنه قرار ثوري، وبدأ التضليل الثوري مع اختيار البديل الضعيف، على مقاس المشير وليس على مقاس الثورة، وفي ميدان التحرير وقف بجانب الدكتور عصام شرف، الدكتور البلتاجي (إخوان) والمستشار زكريا عبد العزيز ( رئيس نادي القضاة السابق)، وحسين عبد الغني (ناصري) وتحيط بهم الجماهير، وهم يروجون لأكذوبة رئيس الوزراء القادم من الميدان، وقمت بالتصدي لهذه الدعاية مبكراً، وكتبت عشرات المقالات التي قلت فيها إنه رئيس الحكومة القادم من لجنة السياسات لصاحبها جمال مبارك، لكني كنت صوتاً واحداً وسط الزفة وصياح المضللين!

لقد رفضت الدكتور أحمد شفيق، عندما اختاره مبارك رئيساً للوزراء، وقلت إن مطالب الثورة أن يرحل هو، ورفضت استمراره بعد عزل مبارك، لكن ليس على قاعدة أن يتم تعيين شخصاً ضعيفاً ليمكن المجلس العسكري من الإنفراد بالسلطة، وفي الانتخابات الرئاسية، كان عندي سببين كافيين لرفض الفريق أحمد شفيق: الأول أنه عسكري، ولابد أن نقر قاعدة الرئيس المدني بعد ستين عاماً من حكم العسكر، والسبب الثاني، أن شفيق ينتمي لدولة مبارك التي أسقطتها الثورة، وفي هذه كان المشير طنطاوي عندي كالفريق شفيق، فقد صنعهما مبارك على عينه. وإن كان الخلاف بينهما أن طنطاوي بدا انتهازياً وهو يوافق على الترويج بأنه ضد مبارك، في حين أن شفيق كان يفخر بأنه عمل معه!

وقد كان سقوط أحمد شفيق كافياً لتجاوز الحساسيات، والذي أرسل برقية تهنئة للرئيس محمد مرسي، لكن لعدم الوعي بفقه الأولويات فهناك من ذهب يتحرش بأحمد شفيق، وبتقديم بلاغات ضده للنائب العام، فوجد فيه أولاد زايد صيداً ثميناً، فكان بلاغه للنائب العام بتزوير الانتخابات، وهرب إلى الإمارات ليبدأ التخطيط للانقلاب العسكري على نار هادئة!

undefined

ونجح الانقلاب، لكن شفيق استمر في الإمارات، حتى بعد الحكم ببراءته، لأنه يدرك تماماً، أن عودته معناها، إدخاله السجن بقضية يمكن صنعها في التو واللحظة، لسبب بسيط هو أنه الخطر الحقيقي على السيسي، فهو القادر على إسقاطه في أي انتخابات ولو شبه نزيهة، فلن يمكن اتهامه بأنه عدو الجيش، أو أنه إخوان، يسعى إلى تغيير هوية مصر، ويعمل على إسقاط الدولة، وهي الأمور التي تمثل فزاعة في يد السيسي!

لا بديل أمام السيسي من خوض الانتخابات ولو كان "عظما في قفة" فهو لا يأمن على نفسه، إذا ترك الحكم، ولو بضمانات أمريكية، فقد أوغل في دماء المصريين بشكل، قد يجعله مطلوباً أمام المحاكم الدولية مع كل الضمانات.

فضلاً عن أن أحمد شفيق، صاحب تجربة في خوض انتخابات رئاسية حقيقية، ويستطيع أن يجد له في كل لجنة مندوباً، وهو أمر لا يمكن للسيسي أن ينافسه فيه، والتيار الإسلامي هو الوحيد القادر على المنافسة بجدارة في هذا المضمار! فضلاً عن أن منافسته للسيسي، ستدفع الجهات التي تشرف على العملية الانتخابية للحياد، فلن تضار مصالحها إذا فاز، بل المؤكد أنه سيضمن الاستقرار الذي يجعلها تهنأ بما حصلت عليه من مغانم خلال الأربع سنوات الأخيرة، وأقصد بهذه الجهات: القضاء، والجيش، والشرطة!

ومع كل هذا تكمن العقدة، في أن قرار خوض أحمد شفيق للانتخابات هو قرار إقليمي في المقام الأول، ولا يمكن له أن يفعلها إلا بموافقة من البلد المضيف، وهي موافقة لن تصدر إلا إذا كانت هذه الدولة قد قرأت فاتحة عبد الفتاح السيسي، ويبدو أن القوم في الإمارات والسعودية، أكثر حماساً له بعد حصار قطر، عن أي وقت مضى، وهناك ملفات أخرى لم ينته منها، خاصة بسيناء، فيما عرف بصفقة القرن، وخاصة بسد النهضة، وتوصيل المياه إلى إسرائيل، وكلها مهمات لا يمكن لأحمد شفيق القيام بها.

ومهما يكن فسيظل أحمد شفيق بديلاً مريحاً لدوائر الانقلاب إقليميا، لن تلجأ إليه إلا إذا غاب السيسي أو تم تغييبه، أو إذا استشعرت الخوف من ثورة تقوم بالإطاحة بقائد الانقلاب، فيتم قطع الطريق عليها بترشيح شخص يستطيع أن يمثل دور السادات بعد مرحلة عبد الناصر فيفرج عن المعتقلين، ويتيح هامشاً للحرية يتم التنفيس به عن الشعب خوفاً من الانفجار!

أما السيسي فلا بديل أمامه من خوض الانتخابات ولو كان "عظما في قفة" فهو لا يأمن على نفسه، إذا ترك الحكم، ولو بضمانات أمريكية، فقد أوغل في دماء المصريين بشكل، قد يجعله مطلوباً أمام المحاكم الدولية مع كل الضمانات.

عموماً لا شيء يبقى على حاله.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.