شعار قسم مدونات

أثر الذرائع في العلاقات الدولية

مدونات - مكتبة إسلامية
الذريعة هي الوسيلة الموصلة إلى النتيجة، فإن كانت هذه النتيجة مطلوبة فالوسيلة مطلوبة وهذا ما يعرف بفتح الذرائع، وإن كانت النتيجة ممنوعة فالوسيلة ممنوعة وهذا ما يعرف بسد الذرائع. فالأخذ بالذرائع يعتبر مصدر شرعي من المصادر المهمة التي يلجأ إليها الفقيه في فهم الواقع السياسي لإصدار الأحكام الشرعية على الحوادث السياسية المستجدة.

فسد الذرائع يعني إغلاق الطرق الموصلة إلى الفساد ولو كانت هذه الطرق مباحة لأن كل ما يؤدي إلى المحرم فهو محرم. وفتح الذرائع يعني الأخذ بالوسيلة إن كانت هذه الوسيلة تؤدي إلى تحقيق مصلحة كبيرة أو منع مفسدة عظيمة. وقد أعمل الفقهاء في كتبهم مبدأ سد وفتح الذرائع في إصدار الأحكام الشرعية على كثير من المسائل فهم لم ينظروا إلى المسألة بعينها وإنما نظروا إلى ما تحدثه من مفاسد ومصالح، فالأخذ بهذا المبدأ فتح الباب للفقهاء في إيجاد الحلول للمسائل المستعصية والحوادث المستجدة، ويظهر تقدير هذا المبدأ عند الفقهاء في مجال العلاقات الدولية في أوقات السلم والحرب وفي بعض القوانين الاقتصادية.

فمن الأمثلة على فتح الذرائع في مجال العلاقات الدولية: نص الفقهاء على جواز دفع المال لدولة محاربة إن كان في المسلمين ضعف ولا يمكن دفع خطر هذه الدولة إلا بدفع المال مع أن دفع المال للدولة المحاربة فيه مفسدة عظيمة لأن فيه تقوية لها، لكنهم وازنوا بين خطر زوال الدولة المسلمة أو دفع المال للدولة المحاربة فأجازوا دفع المال للدولة المحاربة لأن في دفع المال درء مفسدة أعظم ودفع المال ذريعة لتخليص الدولة المسلمة من خطر محقق. وكذلك جواز دفع المال للدولة المحاربة لتخليص أسرى المسلمين فهم وازنوا بين ضرر دفع المال وضرر بقاء الأسرى بين أيديهم فوجدوا أن ضرر بقاء الأسرى أكبر لذلك أجازوا دفع المال مقابل تخليص الأسرى فدفع المال ذريعة لتخليص الأسرى فأجازوها.

الأخذ بمبدأ الذرائع باب عظيم من أبواب الأصول اتفق العلماء في أصله واختلفوا في الفروع وذلك بسبب اختلافهم في المصلحة والمفسدة وهل يحقق هذا الفعل مصلحة أو يمنع من مفسدة.
الأخذ بمبدأ الذرائع باب عظيم من أبواب الأصول اتفق العلماء في أصله واختلفوا في الفروع وذلك بسبب اختلافهم في المصلحة والمفسدة وهل يحقق هذا الفعل مصلحة أو يمنع من مفسدة.

ومن الأمثلة على سد الذرائع في المسائل السياسية:
تحريم بيع السلاح في زمن الفتنة وذلك نظرا إلى أن هذا السلاح سيقع بين أيدي المسلمين المتخاصمين وسيؤدي إلى سفك دمائهم فمنعوا هذا البيع مع أن البيع في أصله مباح ولكن نظراً إلى ما يحدثه من مفاسد منعوه فبيع السلاح ذريعة إلى سفك دماء المسلمين فسدوا الذريعة. والنهي عن سب آلهة المشركين لئلا يؤدي سب آلتهم إلى سب الله عز وجل فقال تعالى:"وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ" وفي هذا تقرير لمبدأ مهم في التعامل مع الأعداء في أوقات السلم فسب آلهة المشركين قد يؤدي إلى مفسدة سب الله تعالى فنهانا الله تعالى عن ذلك.

والنظر في هذا المبدأ يعم في الجوانب السياسية والاقتصادية، فمن يرخص سلعته ليضر التجار الآخرين ممنوع وقد نص على ذلك الإمام مالك استنادا إلى فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما مر بحاطب وهو يبيع زبيباً في السوق فقال له عمر إما أن تزيد في السعر أو ترفع من سوقنا. ففعل حاطب -رضي الله عنه- مطلوب وهو التخفيف على الناس في السعر لكن عمر -رضي الله عنه- نظر إلى هذا الفعل من جوانب أخرى وهو أنه سيضر بسعر السوق وبالتجار الآخرين وقد يخسرون، لذلك نهاه عن الفعل وأمره إما أن يزيد في السعر أو يرفع من السوق فترخيص السعر قد يكون ذريعة لمفسدة وهو الإضرار بالتجار فمنعوه. وقد يتدخل الحاكم في السوق ويحد من حرية الناس عندما يجد مصلحة عامة في ذلك كمنع بيع سلعة معينة إن كانت تضر بالسوق.

والأخذ بمبدأ الذرائع باب عظيم من أبواب الأصول اتفق العلماء في أصله واختلفوا في الفروع وذلك بسبب اختلافهم في المصلحة والمفسدة وهل يحقق هذا الفعل مصلحة أو يمنع من مفسدة، ولكنهم جميعا متفقون على اعتبار الذرائع في تشريع وإصدار الأحكام. اليوم وفي كثير من المسائل السياسية المعاصرة لا بد من النظر إلى الذرائع وأخذها بعين الاعتبار وخاصة في نطاق العلاقات الدولية في أوقات السلم والحرب فإن كانت هذه المعاملة تحقق مصلحة معتبرة تكون هذه المعاملة مشروعة للوصول إلى المصلحة وإن كانت هذه المعاملة توصل إلى مفسدة حقيقية كانت هذه المعاملة غير مشروعة لأنها توصل إلى المفسدة. فعلى كل جماعة إسلامية ممثلة بنخبها أن تنظر في كل معاملة وتوازن بين المصالح والمفاسد المترتبة عليها وتقدر النتائج وتتصرف على أساسها.

وبما أن موضوع الذرائع خطير في العلاقات الدولية فيشترط أن يقدر ذلك مجموعة من العلماء المتخصصين في السياسة، ويستعان بالخبراء السياسيين الثقات في تقدير النتائج والمصالح والمفاسد والطرق التي توصل إليها، فإما أن يسدوها وإما أن يبيحوها فما أدى إلى المباح مباح وما أدى إلى الحرام حرام.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.