شعار قسم مدونات

ذكرى المذبحة.. هل كانت المواجهة ضرورية؟

A supporter of the Muslim Brotherhood makes the Rabaa four-fingered gesture in front of a burning police vehicle in Cairo January 10, 2014. The four-fingered
في إحدى ليالي عام 2012 الشتائية، أثناء حكم المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية، كنتُ داخلَ وقفةٍ تظاهرية أمام المنطقة الشمالية العسكرية بالإسكندرية، عندما صعد شاب وجهه غير مألوف فجأة وهتف "انسى الثورة اللي فاتت.. خالتك سلمية ماتت"، ورددَ كلُ الواقفين الهتافَ بحماسةٍ وعفويةٍ، كان هذا الهتاف جديدًا جدًا على وقفات وتظاهرات الحراك الثوري في مصر، فقد كانت الهتافات دائما تتحول إلى "سلمية.. سلمية" أو "الجيش والشعب إيد واحدة" أو "اللي يحب مصر.. ما يخربش مصر". لكن هل كان هذا الهتاف جديدًا فعلا؟

في الحقيقة، هتافات النداء بالعنف، والتصدي للجيش ونشر الفوضى، لم تكن جديدة بتاتا، لا أتحدث هنا عن التيار الإسلامي الثوري، ولا أتباع حازم صلاح أبو إسماعيل، ولا حتى مخضرمي التيار الجهادي بالقاهرة والإسكندرية، نتحدث عن تيارات مدنية بالكامل تنتمي لليسار أو أحزاب عِلمانية أو شبابٍ عادي ليس له انتماء حزبي أو سياسي، نادوا بالمواجهة مع الجيش والشرطة والدولة بكاملها منذ أحداث العباسية ومحمد محمود في 2011، ثم مجلس الوزراء وما تبعها من اعتصامات ومواجهات عنيفة.

كان الشاب الذي هتف "انسى الثورة اللي فاتت.. خالتك سلمية ماتت" غير معروف لي -أقول ذلك لأنني حضرتُ أغلب الوقفات والتظاهرات منذ 2010 في الإسكندرية، النقطة الثانية، أن التظاهرة في تلك الليلة كانت عفوية بالكامل، ولم يدع إليها الإخوان المسلمين ولا أي تيار إسلامي، والنقطة الثالثة أن ذلك الشاب لو كان من الإخوان المسلمين لتم إنزاله فورًا، أو تكديره تنظيميا فيما بعد، أو تحذير الإخوة الآخرين منه. لكنه كان شابا عاديا لا ينتمي أيضا لليسار بالإسكندرية.

تأتي الذكرى الرابعة لمذبحة الجيش والشرطة وما ارتكبوه من جرائم بشعة بحق آلافِ المعتصمين بميداني رابعة العدوية والنهضة وما تلاهما من أعمالِ عنفٍ وجرائم، مِثل جريمة سيارة الترحيلات التي مات داخلها 37 إنسانا اختناقا، ومذبحة سموحة بالإسكندرية التي فتحت فيها مدرعات الجيش أسلحة الجِرينوف على المتظاهرين في منطقة سموحة بالإسكندرية، تأتي تلك الذكرى لتعيد فَتح التساؤل: هل كانت المواجهة بين المتظاهرين والجيش والشرطة ضرورية حقًا؟ هل كان موت ألفٍ من المعتصمين أو يزيد، واعتقال ما يزيد عن أربعين ألفا من المعارضين، وحالات القتل والتصفية والمطاردات، وما حدث لكثير من أُسر المعارضين من تشرِّد وغُربة خارج مصر، هل كان كل ذلك ضروريا؟ أم أن التيار الإسلامي دفع بأبنائه نحو الهاوية، وقدمهم لقمة سائغة لفوهات بنادق الجيش والشرطة؟

لماذا رفض الإخوان كافة مقترحات حل الاعتصام أو تغيير مكانه برغم أن مكان الاعتصام (ميدان رابعة العدوية) يقع في حي أغلب سكانه عسكريين، فضلا عن المناطق العسكرية التي تحيط به!
لماذا رفض الإخوان كافة مقترحات حل الاعتصام أو تغيير مكانه برغم أن مكان الاعتصام (ميدان رابعة العدوية) يقع في حي أغلب سكانه عسكريين، فضلا عن المناطق العسكرية التي تحيط به!

لا شك أن كل من كان في موقع مسؤولية في جماعة الإخوان المسلمين يجب أن تتم مساءلته، وقبلها أن يسأل هو نفسه أمام الله وأمام ضميره: ما هي الخطة التي كان يحملها الإخوان خلال الاعتصام، ولماذا شحنوا أتباعهم بخطاب التضحية والموت والشهادة إذا كانوا لا ينون حقًا المواجهة؟

– مَن المسئول عن الخطاب المُعتمدِ على الرؤى والأحلام والتي تبشر بعودة مرسي للحكم وانتهاء الانقلاب؟ مَن كان المسئول عن الخطاب الذي ردده بعض مسئولي الإخوان عن الانقلابات الداخلية في الجيش، وأن أعضاء المجلس العسكري جميعهم يوالون مرسي، وأن الجيش مُنقسم وسيتحرك قريبا لنُصرة مرسي؟ هل كان الإخوان على عِلم بموعد الفض؟ ولو كانوا على علم، لماذا قدموا أرواح اتباعهم رخيصة بمثل هذا الشكل الذي تم به فض الاعتصام؟

– لماذا رفض الإخوان كافة مقترحات حل الاعتصام أو تغيير مكانه برغم أن مكان الاعتصام (ميدان رابعة العدوية) يقع في حي أغلب سكانه عسكريين، فضلا عن المناطق العسكرية التي تحيط به، حتى إنه أثناء الفض كان بعض سكان المنطقة يخرجون لشرفات منازلهم ويصطادون المعتصمين بالبنادق مثل الدجاج!

– لماذا أهمل الإخوان توقع سيناريوهات الانقلاب العسكري واستهتروا بكافة النصائح والتوصيات التي قُدمت لهم؟ إن استرجاع تلك الأسئلة ومحاولة البحث عن إجابات، تمنع ذكرى فض اعتصام رابعة من أن تكون مجرد كربلائية ومناحة بدون أية خطوة سياسية أو ميدانية إلى الأمام، لكن بجانب كل تلك المراجعات، هل انجر الإخوان فعلا للمواجهة؟

كانت المواجهة ضرورية ومطلبا ثوريا، كي تظهر الدولة على حقيقتها وتظهر المؤسسة العسكرية بوجهها
كانت المواجهة ضرورية ومطلبا ثوريا، كي تظهر الدولة على حقيقتها وتظهر المؤسسة العسكرية بوجهها "النتن" اللصوصِي القبيح، وينفضِح كل من يقفون خلف تلك الدولة وتلك المؤسسات الفاسدة.
 

الحقيقة، وبمراجعة بسيطة للأحداث من بعد 11 فبراير 2011، سنجد أن أول من نادى بمواجهة الجيش والشرطة بشكل كامل هو التيار المدني والعلماني، هؤلاء أنفسهم قاموا بمواجهة الجيش عدة مرات طوال عام ونصف قبل مجيء مرسي. وقد واجهوا الجيش والشرطة معا، وحرضوا الناس على مواجهة الجيش بسذاجة وحمق شديدين، مما جعل إعلام الدولة يستغل الأمر ويجعلهم منبوذين ومكروهين في الشارع، ثم رفضوا أي انتخابات يُشرف عليها الحكم العسكري! في حين أن إلغاء الانتخابات يعني الدوران في حلقة مفرغة من المواجهات مع الجيش والشرطة في الشارع.

بل زايدوا على كل من لم يُوافقَهم الرأي، واتهموه بالخيانة والتحالف مع العسكر، وبعد أن تولى محمد مرسي رئاسة الجمهورية، استمروا في حماقتهم، فبرغم مناداتهم بتفكيك الدولة العميقة، كانوا أول من اعترضوا على إقالة النائب العام والذي كان من بقايا نظام مبارك، واستمروا في حشد التظاهرات لمواجهات مع الشرطة بلا طائل، إلا بهدف أن يقال عليهم ضحايا النظام، بل إن التيار اليساري قاد أعمال العنف والهجوم على مقرات الإخوان وحرقِها بمساعدة البلطجية الذين كان رجال الأعمال ورجال الحزب الوطني يضخون الأموال في أيديهم ليحرقوا وينهبوا ويقتلوا، فكان هؤلاء اليساريون غطاءً سياسيًا لأعمال العنف تلك.

إذًا، كان هناك مَيلٌ ثوريٌ واضحٌ منذ البداية لمواجهة الدولة، وأذرعِها من جيش وشرطة، الذين رآهم الناس يقتلون الرجال والشباب ويَسحلون النساء ويعرونهن في الشوارع، لكن ما حدث بعد ذلك هي أعمال حماقة وسذاجة من العِلمانيين واليساريين وغباء سياسي واضح وجلي من الإخوان المسلمين، ثم أثناء اعتصام رابعة نجدهم -أو بعض منهم كي لا نعمم- ينادي بفض الاعتصام بالقوة، وقتلِ مَن فيه؛ لأنه خطر على الدولة، وهم الذين كانوا يريدون بالأمس هدمها!

الخلاصة، أنه رغم أخطاء الإخوان وغبائهم السياسي غير المبرر وغير الأخلاقي، وبرغم جريمة بعض اليسار والعلمانيين في دعم الانقلاب ودعم جرائم الجيش والشرطة، كانت المواجهة ضرورية ومطلبا ثوريا، كي تظهر الدولة على حقيقتها وتظهر المؤسسة العسكرية بوجهها "النتن" اللصوصِي القبيح، وينفضِح كل من يقفون خلف تلك الدولة وتلك المؤسسات الفاسدة.

"لِّيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ ۗ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ" (42)

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.