شعار قسم مدونات

ما الذي فعله بنا موقع صراحة؟

Blogs-saraha

من الجيد أنّه يمكنك أن تبدأ في رؤية الأشياء على صورتها الحقيقية عندما ينتهي الحديث عنها بكثرة، لأنّ الناس في البداية تجدهم مدفوعين ناحية وجهة نظر واحدة، أو تكون نظرتهم إلى الأمور أحاديّة فقط، مقتصرة على رغبة مسيطرة في الوقت الحالي، يتمنى الإنسان لو يدركها سريعًا. لذلك لم أشأ الكتابة عن موقع "صراحة" وقت ظهوره، وفضلت الانتظار حتى يهدأ الأمر، وأظن أنّ هذا هو الوضع حاليًا، لدرجة أنّ البعض ربما لم يعد يهتم بالموقع ولا بمتابعته.

         

في الحقيقة موقع صراحة كشف لي عن العديد من الأشياء التي غابت عن ذهني وعن واقعنا حاليًا، وكيف أننا أصبحنا مجتمعًا يحب الحياة الفيسبوكية أكثر، حتى لو ادّعينا عكس ذلك، لكننا نقضي وقتًا كبيرًا هناك، تسحب منّا مواقع التواصل الاجتماعي قدرتنا على التعايش في الواقع سويًا بهدوء شديد. بدأ موقع صراحة برغبة طيبة، ككل الأشياء الأخرى التي تظهر في حياتنا، بغرض أن يتمكن الناس من التواصل مع بعضهم البعض، وأن يُصارح الأفراد في الفريق مديرهم بعيوبه، كتطبيق قوي على الموقع، بحيث يمكنه تعديلها، دون الحرج الذي يفرضه الموقف إذا قام الشخص بإخبار مديره بصورة شخصية.

      

لكن الموقع تم استخدامه بشكلٍ شخصي بصورة كبيرة جدًا، وهذا ليس عيبًا، لكن المشكلة تكمن فيما يتم التعبير به للأسف، ولذلك سأحاول اختصار ما فعله بنا موقع صراحة في نقاط بسيطة.

1- كشف الموقع عن النفوس السيئة التي تعيش حولنا، وكيف يوجد أشخاص يقومون بإرسال مجموعة من الرسائل السلبية جدًا للآخرين، رسائل تصل حد المرض من مرسلها، فترى رسائله تشع بالكراهية. الأمر الذي يتجاوز بالطبع كونه نقدًا يمكن الاستفادة به، بل غالبًا ما تظهر الرسائل بشكل بشع جدًا، وكأنّ الموقع فتح المجال لمن يرغب في تصفية حساباته مع الآخرين. وهذه الرسائل تضع متلقيها في موقف شك وضيق، رغم أنّها قد تكون رسائل خيالية مائة في المائة.

2- دائمًا ما كانت لي قناعة أنّه ينبغي لنا التعبير عن مشاعرنا في الواقع، لا سيما الجيدة منها، فبدلًا من أن نفعل ذلك، يصبح تعبيرنا عن الحب مجهول الهوية، وتزداد الفجوة بيننا في التعامل على أرض الواقع.


أصبح لدى البعض هوس بمتابعة الموقع، وتلقي الرسائل من أكبر عدد من الأفراد، فإن لم يتلقى رسائل من عدد كبير من الأشخاص، يصيبه هذا بالضيق الشديد. فيصبح التعلّق بعدد الأفراد، لا بهوية الأفراد وقيمتهم في حياتهم
أصبح لدى البعض هوس بمتابعة الموقع، وتلقي الرسائل من أكبر عدد من الأفراد، فإن لم يتلقى رسائل من عدد كبير من الأشخاص، يصيبه هذا بالضيق الشديد. فيصبح التعلّق بعدد الأفراد، لا بهوية الأفراد وقيمتهم في حياتهم


3- أعتقد على المستوى الشخصي، أنّ مصارحة الشخص بعيوبه شيء جيد، وأنّ فعل ذلك بصورة مجهولة يقدم له فائدة، لكن ماذا لو أراد الشخص أن يستوضح بعض الأشياء؟ أو يشعر بأنّه تعرض للظلم بسبب صورة خاطئة من صاحب الرسالة؟ لذلك أفضل دائمًا المصارحة الواضحة. وفي الجانب الآخر، فإنّ التعبير عن أي مشاعر، إيجابية أو سلبية، في موقع مثل صراحة، يعني أن الشخص لن يأخذ الخطوة للتعبير عن مشاعره في الواقع. ومن يعرف قيمة المشاعر جيدًا، يدرك أنّ التعبير عنها في الواقع أفضل كثيرًا من التعبير الافتراضي.

4- أصبح البعض في تخوّف من التعامل مع من حوله، فببساطة أنت لا تعرف من الذي شتمك على الموقع، قد يكون أحد المحيطين بك وأنت لا تدري. فتجد أنّ هناك بعض الأشخاص يصبحون في ريبة وشك دائم في الأشخاص من حولهم. وهذا الأمر أحيانًا يؤدي إلى حالة مرضية.

5- لأنّ التعبير يكون بشكل مجهول دائمًا، فإننا نهتم أحيانًا بمعرفة هوية المتحدث على حساب الاستفادة من المحتوى المذكور في رسائله. سواءً على مستوى المشاعر الطيبة، أو النقد السلبي. وهذا الأمر يقلل من قيمة التعبير، لأنّ المحور الذي يسيطر على تفكير الشخص هو التساؤل عن هويّة من أرسل، لا ماذا أرسل له.

6- أصبح لدى البعض هوس بمتابعة الموقع، وتلقي الرسائل من أكبر عدد من الأفراد، فإن لم يتلقى رسائل من عدد كبير من الأشخاص، يصيبه هذا بالضيق الشديد. فيصبح التعلّق بعدد الأفراد، لا بهوية الأفراد وقيمتهم في حياتهم؛ فالهوية مجهولة بالطبع.

7- العديد من الرسائل التي تحتوي على النقد، نجد أن المتلقي لها ينشرها على صفحته، مع تعبيرات ساخرة منه أو من أصدقائه، وبالتالي أتساءل: هل نحن قادرين على تقبل النقد بعد أو لا؟ وهل نحن نطمح لأن يخبرنا الناس فقط بأشياءٍ جيدة أم لدينا الرغبة في معرفة الأشياء السيئة؟

          

لاحظ أنني أتحدث عن الرسائل التي تحتوي على نقد حقيقي، لا الرسائل التي تحتوي على شتيمة أو سخرية أو خلافه. بالطبع أنت ترى بعد قراءة النقاط السبعة أنني أختلف تمامًا مع موقع صراحة، وهذا فعلًا موقفي الشخصي من الموقع، لكنني لا أحجر بالطبع على من يريد الاستفادة من الموقع، كل ما أريده فعلًا هو ألّا يحل هذا الموقع مكان التفاعل على الواقع، وألّا يجعل من الشخص أسيرًا ترتبط حياته بما يُرسله له شخص مجهول، ربما كل ما يريده هو تدمير حياته، وهو يساعده على ذلك باستجابته. تقبل النقد بصدرٍ رحب، وألقي جانبًا أي شيءٍ آخر، ولا تضيّع طاقتك في أشياءٍ لا تستحق. أنت أحق بوقتك وطاقتك يا صديقي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.