تبقى المدارس الأدبية نتيجة اقتراب بعض المتاهات الحسية والمعرفية من بعضها البعض، ودخولها الواعي والجريء في علاقة عضوية مع مكونات النص التاريخي والاجتماعي والشعوري، ومصادمة خبراته. |
وفي الضفّة الأخرى تحدد كريستين بروك الجهة التي ستنحى إليها الكتابة ما بعد الحداثية، استنادا إلى ما يتوفر من نماذج مصنفة ككتابات ما بعد حداثية، أو على الأقل مجادلة ضمن هذا التصور، فترى في تحليلها للمفهوم الأحدث للواقعية السحرية كرافد من روافد الأدب ما بعد الحداثي، أن آلية المحو والكتابة مثلا هي السمة الأهم في الكتابة ما بعد الحداثية، بمعنى أن يعطي الكاتب لنفسه الحق بإعادة تركيب التاريخ بمرونة فائقة، فيها الكثير من الحذف والتصرف، الذي غالبا ما يجنح للخيال الجامح، أو ما ما وراءه، تغليبا للمتوهم والمتخيل على الواقعي، أو ما يسميه أمبرتو إكو زيارة واعية وضرورية للتاريخ.
ومن الجانب اللوجستي إن صحّ التعبير، تقوم الكتابة ما بعد الحداثية أيضا بمهمة فنية أخرى وهي تدمير تقاليد وأوليات العرض الخطي القائم على الوحدة والترابط المنطقي والتقابل والعقدة على نحو ما وصفه جيرالد غراف، واستبداله بنظام عرض مخالف يقوم على تمجيد الخبرات الذاتية والانصراف عن الاعتيادات المجتمعية، فيما يسميه جاكوبسن بالأسلبة، وربما لهذا السبب يرجع إيهاب حسن سر عدم شعبية بعض الكتابات الما بعد حداثية على هذا الأمر، فهي كتابة تنتخب قارئها وتستفرد به، ولكن لا بد من ملاحظة أن ذلك الخيار النوعي لا يقسر الموروث، إنما يقوم على تفعيل وعي الإنسان الجديد، والإطلالة على التاريخ الإنساني من منظور أكثر إحساسا ووعيا لتحويل تلك الآثار المنقضية إلى وقائع ومفهومات مروية.
في الختام، تبقى المدارس الأدبية نتيجة اقتراب بعض المتاهات الحسية والمعرفية من بعضها البعض، ودخولها الواعي والجريء في علاقة عضوية مع مكونات النص التاريخي والاجتماعي والشعوري، ومصادمة خبراته، التي يرجع إليها الكاتب كمقومات الإبداع بما يسميه إيكو صراع العلل.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.