شعار قسم مدونات

توقف عن إهدار العمر في الدراسة

blogs - نيمار
– بعد ظهور نتائج البكالوريا اندلعت حرب ساخنة في بيت أحد الجيران، بعد فشل ابنهم في نيل هذه الشهادة، وبما أننا شعوب تعشق تعليق أعذارها على مشاجب جاهزة، وواضحة، فالشاب سرقته كرة القدم، والفتاة سحرتها المسلسلات التلفزيونية، هكذا وجه الأب أصابع الاتهام إلى كرة مستديرة، وقميص برشلوني معلق على الحائط. 

– قُطعت الكرة ورُمي بالقميص ودام الخصام والعويل لثلاث أيام متواصلة، سوق الأب والأم لأسباب الفشل في وسطهم العائلي، وظهر الراسب في ثوب المتهم، الذي حُوكم بتهمة لم ترد في القانون الجنائي – عشق كرة القدم – وبين شامت ومتضامن أضحى الشاب مثالا يُفرغ به كل أب ابنه المقبل على هذه الشهادة تفاديا لمصير مشابه.

– أعلن نادي باريس سان جيرمان الفرنسي يوم الخميس تعاقده رسميا مع اللاعب الدولي نيمار قادما من برشلونة الإسباني لمدة 5 سنوات وفقا لشرط جزائي بلغ 222 مليون دولار، هكذا احتل الخبر الصحف والقنوات وحتى الشوارع والمقاهي، ملايين الخطوط الحمراء والعيون الجاحظة والأفواه المفتوحة وضعت قبل وبعد الرقم المدفوع.

– بعيدا عما ترصدته بعض الصحف حول تسييس هذه الصفقة الرياضية لصالح قطر، فمن غير المعقول أن يتحول ملعب حديقة الأمراء إلى قطر، ومن الجنون أن يثبت نيمار في الدوحة ليكون مزار لعشاق الكرة المستديرة، لكن المفجع في القضية وبعيدا عن الشطحات الصحفية، كيف أضحت الأرجل أغلى سعرا من العقول؟ 

اليوم وجب علينا أن نشرح لأصحاب التقاعد الزهيد، والظهور المحنية، والصحة المهدرة، شروط لعبة المستطيل الأخضر، وتبليل القميص وامتاع الجماهير.

– صفقات رياضية كثيرة بأموال طائلة، وأرقام خيالية في موسوعة غينيس، تتحدث عنها وسائل الإعلام متناسية أصداءها عند المتلقي باحثا كان أو عالما سيصبح، إلى أن تصل جمجمة صغيرة لطفل حلمه الشهرة، يلهث أبواه طوال اليوم في حقنه بأمصال العلم، ودفعهم لمصاريف الدروس الخصوصية التي تسحب من قوتهم اليومي، عندما يضحى حذاء لاعب أغلى من بحث علمي استغرق سنوات من الشباب، من الراحة والنوم، هنا فلنعد لكهوف الأمية معتذرين عن كل الحروب والسيوف التي رصدناها من أجل إنهائها.

– نيمار ما هو إلا عينة بسيطة لشاب لم يتجاوز 27 سنة براتب لم ولن يتقاضاه موظف كدح لأكثر من 40 سنة في خدمة أي مؤسسة عمومية أو خاصة، اليوم وجب علينا أن نشرح لأصحاب التقاعد الزهيد، والظهور المحنية، والصحة المهدرة، شروط لعبة المستطيل الأخضر، وتبليل القميص وامتاع الجماهير.
– تعدينا أحلام الطفولة ومتلازمة الأبيض في أن نصبح أطباء وأساتذة، ولم تعد تغرينا الطائرة والسفينة، فمهنة الطيار والقبطان كانت موضة ناطحات الطموح آنذاك، ولم نعد نركز على النجاح بمعدلات عالية يكفينا عبارة – انتقل إلى السنة الموالية – وحتى وإن رسبنا فلنتجه إلى أقرب ملعب لربما وجدنا ميسي أو رونالدوا بنسختهم الأولى قبل الغنى بتسديدة قوية، أو مراوغة فنية.

– في مساء اليوم الموالي فتحت النافذة كعادتي، وإذا بي أرى ابن الجيران بكرة جديدة وقميص برشلوني لنيمار، يتبعه والده بتوصيات المدربين – قم بالتسخين قبل المباراة – وأدعية بالتوفيق والسداد، فبعد ما سمعه وشاهده تغيرت الموازين، فما عاد الرسوب شيء يذكر، ولا الشهادة هدف يسأل عليه، حفظ الدرس جيدا "من له أرجل تداعب الكرة لا تسأله عن نتيجة السنة الدراسية، ومن حظي بلقب لاعب لا حاجة له بلقب عالم".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.