شعار قسم مدونات

افتتاح الكنيسة في "هرجيسا" لمصلحة من؟

blogs - Bible
حتى اللحظة لا تفاصيل دقيقة للاتفاق، إلا أن الواقعة أحدثت ضجة شعبية وإعلامية، ولا شك أن الأمر له أبعاد وتشعبات تؤثر بشكل أو بآخر على المجتمع الصومالي، انقسم الشارع ما بين مؤيد وآخر معارض. في الأسبوع الماضي أعلنت متطوعة أجنبية تدعى مارينا فيجينو إعادة افتتاح الكنيسة الكاثوليكية التي كانت مغلقة ما يقارب ثلاثين عاما وذلك بعد موافقة حكومة إقليم صومالي لاند، مما أثار الكثير من التساؤلات.

هنالك ثلاث جوانب للنظر في القضية: الحكم الشرعي، والدستور الموضوع، بالإضافة إلى العرف السائد في المجتمع، فيما يخص حكم الشريعة ذهب جماهير الفقهاء إلى تحريم بناء كنيسة في دار المسلمين؛ بينما انفرد الإمام أبو حنيفة بجواز بناء كنيسة في ديار المسلمين بشرط أن يكون لصالح سواد أهل الذمة.

بينما الدستور الموضوع لدى حكومة صومالي لاند تنص الفقرة الثانية في المادة الخامسة بالتالي "تستنبط قوانين البلاد من الشريعة الإسلامية ولا يجوز أصلاً اصدار أي تشريع مخالف للدين الإسلامي"، من منطلق هذه الفقرة يتم الرجوع إلى المذهب المتبع وهو الشافعي وعلى أساسه يجب اتخاذ القرار.

الاستعمار يتقن اللعب خلف الكواليس، فهو لا يظهر في المسرح بل يستخدم شخصيات اعتبارية تحقق مصالحه، كما أنه يتفنن في تجزئة عناصر خطته الاستعمارية

بالنسبة للرأي العام في هرجيسا انتقد الكثير القرار مؤكدين على اعتناق المواطنين للدين الإسلامي، وليس هناك ما يستدعي لإعادة افتتاح الكنيسة، وذهب البعض الآخر ألا مانع من تعبد المقيمين الذين يدينون المسيحية من باب حرية التعبد، وأن أوروبا سمحت في بناء المساجد على أراضيها، ويطرح التساؤل: إعادة افتتاح الكنيسة في هرجيسا لمصلحة من؟

ينتج عن إعادة افتتاح الكنيسة أبعاد عدة منها: السماح لمن يدينون المسيحية بالتعبد فيها. ثانيا: استخدامها كمصدر للحركات التبشيرية. بالنسبة للبعد الأول تفيد إحدى الدراسات أن هناك 20 كنيسة تغلق سنويا في المملكة المتحدة وأن المسلمين يقومون بشراء كنائس مهجورة في أوروبا لتحويلها إلى مساجد، فهل يستدعي إعادة افتتاح الكنيسة من أجل القليل من المتطوعين والمقيمين إقامة ليست دائمة في هرجيسا؟! مع وضوح تام حسب الدراسات فقدان الكنيسة لدورها التعبدي في مهدها فكيف في بلد مسلم!!

البعد الثاني يمثل الخطورة الخفية في حال تم التستر على الحركات التبشيرية ضمن النشاطات التطوعية المقدمة للفقراء والمرضى والمحتاجين، ففي دراسة أجريت من قبل جامعة سانت ماري الأمريكية عام 2015 أشارت أن "عدد المسلمين في الكاميرون المتحولين للديانة المسيحية يبلغ حوالي 90.000 شخص"1، والأمر مشابه في غانا وكينيا وأوغندا مما يعطي دلالات إلى استهداف القارة الأفريقية للحملات التبشيرية عبر استغلال الفقر والمرض والجهل المنتشر في أفريقيا.

في هذا الصدد ذكر المفكر بن نبي أن الاستعمار يتقن اللعب خلف الكواليس، فهو لا يظهر في المسرح بل يستخدم شخصيات اعتبارية تحقق مصالحه، كما أنه يتفنن في تجزئة عناصر خطته الاستعمارية، فهو لا يقدمها دفعة واحدة وإنما بشكل متدرج مما يسهل قبول مخططاته على أنها مشروعة، وبالفعل نجح الاستعمار في استمالة أصوات توافق على أهدافه.

من المعلوم أن الصومال يعاني من الناحية الصحية والتعليمية، مما يعني قيام حملات تبشيرية تحت ذريعة القضاء على ثلاثية الفقر والمرض والجهل أمرا ممكنا.
من المعلوم أن الصومال يعاني من الناحية الصحية والتعليمية، مما يعني قيام حملات تبشيرية تحت ذريعة القضاء على ثلاثية الفقر والمرض والجهل أمرا ممكنا.

من المعلوم أن الصومال يعاني من الناحية الصحية والتعليمية، "مما يعني قيام حملات تبشيرية تحت ذريعة القضاء على ثلاثية الفقر والمرض والجهل أمرا ممكنا"، القوة التي تمتلكها حكومة الإقليم تعيق النشطاء في مواجهتها وتغيير موقفها، لذلك من الأفضل على المصلحين والنشطاء اتباع أساليب سلسة وفعّالة تمكنهم من تحقيق أهدافهم في إصلاح الخلل داخل المجتمع، منها أسلوب الإزاحة أو المزاحمة تقوم هذه الطريقة على سحب البساط من تحت المنتفعين الطامعين في مصالح الشعب أياً كانت توجهاتهم وأهدافهم.

يقوم أسلوب المزاحمة على تشكيل قوة ناعمة تستند على الاتقان والأمانة وقوة الانتشار، قادرة على كسب المواطنين من خلال تقديم خدمات منافسة ذات شفافية ومصداقية، بعكس المؤسسات أو الجهات التي تسعى في تقديم خدماتها رغبةً منها في نشر أفكار مضللة أو استغلال الشعب للحصول على مطامع معينة.

التهديدات التي تطال الوطن لم ولن تتوقف والصومال تمر في مرحلة جديدة للاستقرار السياسي مع محاولة حثيثة من الغرب في تحويل الاضطراب من الجانب السياسي إلى الاجتماعي.

على سبيل المثال يمكن تطبيق أسلوب الإزاحة في مواجهة الحملات التبشيرية التي قد تمارسها الكنيسة، عن طريق تكثيف الجهود نحو رفع الوعي العام لدى الشعب في العلوم الدينية والعلوم الإنسانية والتكنولوجيا المعاصرة، إضافة إلى توفير الخدمات الأساسية والضرورية لدى المواطن مما يغنيه عن الحاجة إلى الخدمات التي تقدمها الكنيسة، وتقدم هذه الأنشطة بواسطة المؤسسات الخدمية والتطوعية المحلية التي يتوجب عليها بسط السيطرة في جميع المجالات ذات الصلة في خدمة المواطن، وكلما كانت جودة الخدمات عالية وتتصف بالمرونة والسرعة في التنفيذ ساهم ذلك في إضعاف نفوذ الخدمات التي ترعاها الكنيسة، مع تمكين الدور الإعلامي لما تقوم به تلك المؤسسات حتى تنال القبول والمصداقية لدى المواطنين، فالإعلام أصبح قوة بارزة في تشكيل التوجهات لدى الجمهور.

إن قوة الحملات التبشيرية المحتملة ليست بذلك الشيء الذي يذكر، وأنَّ ما يعينها أنها تستمد قوتها من هشاشة وضعف الداخل سواءً من حيث السلطة الحاكمة أو المؤسسات المحلية، وبالأخص المؤسسات المحلية التي تفتقر إلى العديد من الإمكانيات المادية والأكاديمية، لذلك وجب تقوية هذا القطاع لما له دورٌ في التأثير المباشر على المواطنين، ويكون ذلك عبر تعاون القوى الفكرية المتمثلة في الأكاديميين والنشطاء في المجتمع مع القوى المالية ممثلةً برجال الأعمال؛ باشتراكهما معاً تتصف المؤسسات بالقوة والمتانة والاتقان في أداء دورها بشكل فعّال، وعندها سيتم إزاحة أي جهة تسعى خلف مطامع ومصالح تجلب الضرر للوطن والمواطن.

التهديدات التي تطال الوطن لم ولن تتوقف والصومال تمر في مرحلة جديدة للاستقرار السياسي مع محاولة حثيثة من الغرب في تحويل الاضطراب من الجانب السياسي إلى الاجتماعي من خلال ضرب المؤسسات المحلية واستخدام القيادة الحاكمة كسلطة وظيفية لمصالح الدول الطامعة، مما يفرض على رواد التنمية والإصلاح في الصومال التكاتف في مواجهتها، من خلال المبادرة في تفعيل النشاطات التنموية على أرض الواقع وعدم الاقتصار على التنديدات والمنشورات التي تملؤ صفحات المواقع التواصل الاجتماعي.

يتوجب الانتقال من مرحلة التعامل مع الأحداث من ردود أفعال تشتعل ثم تخمد ما إن تنقضي أيام عدة على واقعة ما، إلى تفعيل دور المؤسسات الاجتماعية فهي تعتبر اللاعب الأساسي في مواجهة التهديدات المباشرة والغير مباشرة كونها على التماس مباشر مع المواطنين.

____________________________________________
الهوامش

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.