شعار قسم مدونات

الثورة السورية.. مراجعات فكرية أم معارك دونكشوتية

blogs مظاهرات فى سوريا
درج في السنوات الأخيرة عند منظري بعض الحركات مصطلح "المراجعات الفكرية" ويقصدون بهذا المصطلح التراجع عن مجموعة من الأفكار النظرية التي أسسوا عليها مؤسستهم ومنظومتهم وربوا عليها الآلاف من الشباب. وظهر هذا الأمر جليا في الثورة السورية عند عدد من المنظرين لهذه الحركات. فقد شهدنا مثلا عند بعض الحركات عندما دخلت إلى سوريا إعلان أنها تريد خلافة إسلامية، وبعد أن جاهدت سنوات تبين أن هذا المطلب حلم في ظل الظروف الدولية، ثم تراجعت عن هذه الفكرة إلى الإمارة الإسلامية، وبعد أن جاهدت لتحقيق هذا المطلب وجدت أنه صعب التحقق لتتقلص مطالبها إلى أن تحكم بقعة جغرافية معينة بأدوات ووسائل عصرية.

وكذلك شهدنا عددا من التغيرات باسم المراجعات الفكرية، فمثلا علم الثورة كان رفعه جريمة عند أبناء بعض هذه الحركات لأنها راية علمانية أو راية عمية، وأقيمت المساجلات الفكرية والحروب الكلامية والمظاهرات، بل وصلت إلى درجة الاقتتال والتصنيف، وبعد ذلك شهدنا تراجعا ورفعا للعلم ممن كان يعتبره راية علمانية. وكذلك قضية التقنين من حرمة التقنين بشكل مطلق وأنه بدعة محرمة إلى القول بجواز التقنين بقانون إسلامي.

والعديد من التراجعات التي شهدناها في هذه الحركات باسم "المراجعات الفكرية"، وكذلك شهدنا تصريحات متناقضة من منظرين بعد أن كانوا يدينون بقضية نظرية معينة ويحشدون لها المئات من الخطب والمقالات والمنشورات، يتراجعون ويعتذرون باسم المراجعات الفكرية ثم ينادون بقضية ثانية وثالثة ورابعة. وما بين التنظير لمسألة معينة والمراجعة الفكرية نجد أن الكثير من دماء الشباب سالت للدفاع عن هذه المسألة وكثير من المعارك قامت بسبب هذه المسألة والانقسامات والاتهامات والتصنيفات بل والتكفير والتفسيق والتبديع ووو.

أيها المنظرون! آن لكم أن تتوقفوا عن تنظيراتكم وتعتزلوا قيادة هذه الحركات وتراجعوا جميع علومكم وطريقة تفكيركم التي كانت سببا في حرف الثورة السورية عن مسارها

وفي النتيجة وصلت الثورة السورية إلى ما وصلت إليه من الضعف وذلك بسبب الانقسام الحاصل بين إسلامي وغير إسلامي وجيش حر وجهادي ومهاجر وأنصاري وخائن وعميل ومرتد وإسلامي وداخل وخارج.

لا شك أن التراجع ضروري بل ومطلوب وواجب، ولكن السؤال إلى هؤلاء المنظرين والذين يتحملون الوزر الأكبر مما آلت إليه الثورة السورية وحال الحركات الإسلامية بالرغم من التحذير المتكرر لكم والنصح المتواصل لكم والتنبيه والتهديد لماذا لم تسمعوا له منذ البداية؟ لماذا جربتم بهذا الشعب المسكين المظلوم الذي عاني من استبداد النظام الديكتاتوري خمسين سنة نظرياتكم وأحلامكم التي كنتم تحلمون بها؟ لماذا لم تأخذوا بقاعدة فقه الأولويات وفقه التمكين والاستضعاف منذ البداية وغامرتم بمصير ثورة شعبية كاملة تنادي بالحرية حتى آلت الثورة إلى ما هي عليه؟

وأخيرا من خلال النظر بمآلات الأمور والظروف الدولية المحيطة تتوقعون بأنكم سترفعون علم الثورة يوما ما وستطالبون بما طالب به الشعب من حكم مدني عادل وستفشل مغامراتكم الخيالية فلماذا لم توفروا هذا الوقت الذي كان ثمنه دماء السوريين وتتحدوا مع مطالب الثوار من البداية بهذه المطالب؟

لا شك أن المراجعات الفكرية مطلوبة بل وواجبة وفهم المعادلة الدولية أمر إيجابي والوقوف بالمغامرات المجنونة أمر ضروري لأنها توفر دماء كثير من الشباب المتحمس الثائر، وهو أمر يحسب لكم ولكن أيها المنظرون الذين أدخلتم الشعب في هذه الأنفاق المظلمة آن لكم أن تتوقفوا عن تنظيراتكم وتعتزلوا قيادة هذه الحركات وتقوموا بمراجعات لجميع علومكم التي حفظتموها وطريقة تفكيركم التي كانت سببا في حرف الثورة السورية عن مسارها قبل أن تدخلوا شعوبا أخرى بأنفاق مظلمة كالتي أدخلتم فيها الشعب السوري، وهذا ما صرح بها أحد رموز منظري الحركات الإسلامية أبو يزن الشامي رحمه الله، قبيل استشهاده عندما خاطب أهل الشام قائلا: "نعتذر لكم لأننا أدخلناكم في معارك دنكوشوتية أنتم في غنى عنها". ولئن غابت يد المحاسبة في الثورات ستبقى مسؤولية الكلمة حاضرة أمام الله.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.