شعار قسم مدونات

من السعودية حتى السودان.. زمن التطبيع

blogs علم اسرائيل

نشرت صحيفة جورزاليم بوست العبرية تصريحاً لملك البحرين، حمد بن عيسى آل خليفة، أدلى به خلال لقاءه مع الحاخام اليهودي إبراهام كوبر، ندد خلاله بمقاطعة إسرائيل واستعداده السماح لمواطني البحرين بزيارتها، وليس الغريب في التصريح أنه يُخاطب دولة الاحتلال بكل هذا الود والحميمية، فقبل ذلك قال عنها أنها ليست قادرة على الدفاع عن نفسها فحسب بل عن أصوات الاعتدال والدول العربية المعتدلة في المنطقة، وأن توازن القوى في الشرق الأوسط بين معتدلين ومتطرفين يستند إلى إسرائيل، وإنما الغريب أن يأتي هذا الكلام في سياق الحديث عن التسامح الديني، ووصف لقاء الملك مع الحاخامات بأنه لقاء للتسامح ولتوقيع بيان يستنكر الكراهية والعنف الديني، في الوقت الذي يُعاني الغالبية العُظمى من شعب المملكة اضطهاداً واضح بسبب انتماءهم الديني وفق المنظمات الحقوقية العالمية.

 

جاء تصريح ملك البحرين عن التسامح الديني أمام الحاخامات اليهودية، بالرغم من أن عدد اليهود في المملكة لا يصل إلى 100 فرد، وفق دراسة لتاريخ اليهود في البحرين للكاتب البحريني علي الجلاوي، بينما يُعاني المواطنين الشيعة الذين يمثلون الغالبية العُظمى من الشعب اضطهاداً وتنكيلاً واضحاً، فقد جاء تصريح الملك متزامناً مع بيان منظمة العفو الدولية انتقدت فيه النظام الحاكم بقمع المعارضين الشيعة، حيث قامت خلال العام الماضي، وفق البيان، بحملة قمعية أدت إلى مقتل 6 أشخاص منهم طفل، والتنكيل بأكثر من 170 شخص منهم من تم اعتقالهم أو اعتقال أقاربهم أو تعذيبهم وتهديدهم أو منعهم من السفر، بجانب سحب الجنسية من أحد القيادات الروحية الشيعية.

 

صرح وزير الاستثمار السوداني مبارك الفاضل، الذي لم يكتفِ بالتزلف والتملق لدولة الاحتلال والدعوة للتطبيع معها، بأن الفلسطينيين باعوا أراضيهم، وأن القضية الفلسطينية كانت السبب بالتأخير الشديد للعالم العربي
صرح وزير الاستثمار السوداني مبارك الفاضل، الذي لم يكتفِ بالتزلف والتملق لدولة الاحتلال والدعوة للتطبيع معها، بأن الفلسطينيين باعوا أراضيهم، وأن القضية الفلسطينية كانت السبب بالتأخير الشديد للعالم العربي
 

وقبل نشر هذا التصريح بأسبوع تداولت الصحف الإسرائيلية خبر زيارة سرية قام بها ولي عهد السعودية، محمد بن سلمان، على رأس وفد أمني كبير ضم شخصيات أمنية واستخبارية، التقوا خلالها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، حيث ذكرت التقارير أن الزيارة تهدف إلى تسريع وتيرة اعتراف السعودية بإسرائيل، طلباً في مساعداتها لإقناع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي بمنح السعودية قروض وضمانات مالية، في الوقت الذي تشهد فيه المملكة أزمة مالية طالت الكثير من مواطنيها وحملت الوافدين أعباء مالية كبيرة، على الرغم من امتلاء الصحف والجرائد بأخبار البذخ والإسراف المالي للعائلة الحاكمة، وفي الوقت ذاته الذي تشهد فيه المملكة حملة أمنية كبيرة، اعتقل خلالها شخصيات ذات صيت إعلامي كبير، بعضهم لا يُعرف عنه المعارضة وإنما تحسباً لاعتراضهم على تولي الأمير الشاب عرش المملكة.

 

أما الأكثر فجاجة فكان تصريح وزير الاستثمار السوداني مبارك الفاضل، الذي لم يكتفِ بالتزلف والتملق لدولة الاحتلال والدعوة للتطبيع معها، وإنما راح يتهم الفلسطينيين بأنهم باعوا أراضيهم، وأن القضية الفلسطينية كانت السبب في التأخير الشديد للعالم العربي، وكأن الفلسطينيين هم من قمعوا وقتلوا وذبحوا الملايين من الشعوب العربية وجعلوها في مؤخرة العالم بالاستبداد وليس الأنظمة الحاكمة، وكأن فلسطين هي من ترتكب المذابح الجماعية والتطهير العرقي الذي أدى لانفصال جنوب السودان، وأنها من ملئت الأرض فساداً حتى أفقرت الشعب السوداني صاحب الدولة الخصبة الغنية، حتى وصل إلى ما هو فيه.

 

الشيء الوحيد المشترك بين تلك الأنظمة التي تلهث وراء التطبيع مع إسرائيل أنهم جميعاً لا يستندون على أي شرعية ديمقراطية تؤهلهم لحكم تلك الدول، فجميعهم يحكم شعوباً بالقمع والاستبداد

هذه التصريحات والتحركات التطبيعية مع دولة الاحتلال، وبجانبها توجهات وتصريحات وتصرفات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي جاء بها في مقدمة أكثر الشخصيات شعبية داخل تل أبيب، بعد لقاءات سرية منه لمسؤولين صهاينة في القاهرة والعقبة، وتنازلات مخزية في سيناء وغيرها، وكذلك داخل أروقة المنظمات الدولية، حيث أصبح الصوت المصري مُسانداً وداعما للصوت الصهيوني، وكذلك التقارب والعلاقات الحميمية بين نظام أبو ظبي وتل أبيب، والتي كشفت عنه تسريبات البريد الشخصي لسفير الإمارات في واشنطن، وغيرها من علاقات سرية للأنظمة العربية بدولة الاحتلال أو بمراكز اللوبي الصهيوني في واشنطن، كل ذلك يُعبر عما وصل إليه حال الأنظمة العالم العربي من خنوع وذل أمام دولة الاحتلال، بعد أن عانت القضية الفلسطينية عقوداً من المتاجرة من الأنظمة المستبدة، قمعت باسمها الشعوب وصادرت الحريات والحقوق.

 

الشيء الوحيد المشترك بين تلك الأنظمة التي تلهث وراء التطبيع مع إسرائيل أنهم جميعاً لا يستندون على أي شرعية ديمقراطية تؤهلهم لحكم تلك الدول، فجميعهم يحكم شعوباً بالقمع والاستبداد، بعضهم يعتقل كل صوت معارض أو من المحتمل أن يُعارض، وآخر يضع أمام كل بيت دبابة وفوق كل رأس بندقية حتى لا ينبس ببنت شفة، وثالث طحن شعبه قتلاً وذبحاً حتى انشطر وطنه نصفين، ورابع وخامس، جميعهم يبحث عن شريعة من الخارج ومساندة الصهاينة في مراكز الضغط الأميركي والأوروبي بعد أن انتهت شرعيتهم داخل أوطانهم، جميعهم لم يجد سوى فلسطين يضحي بها من أجل عرشه، بعد أن أصبحت القضية هي الحائط المائل الذي لا يجد من يدافع عنه ويصرخ من أجله، وتحقق حلم الصهاينة في إخضاع الأنظمة لهم ولرغباتهم وأصبحت فلسطين أخر ما يهم العرب، إلا أن ذلك لن يدوم، فجميعهم إلى زوال وستبقى فلسطين قضية حق يعرفها كل صاحب ضمير وينكرها كل متخاذل، ومهما علت أصوات المطبعين والخانعين سيبقى التطبيع عار وسبة تلاحقهم أحياءً وأموات.

 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

رابط:

تصريح ملك البحرين

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.