شعار قسم مدونات

السوريون الذين جلبوا الدمار لوطنهم!

blogs سوريا

أثناء زيارة ترمب للسعودية أواخر الشهر الخامس من هذا العام، وبحسب إحدى منتجات الأخبار في قناة، سي بي إس نيوز الأميركية، وتقرير لموقع بوليتيكو الأمريكي، ورد أن حديثًا دار بين الملك سلمان والرئيس ترمب والتقطه مايكروفون كاميرا القناة، حيث سُمِعَ الملك سلمان يخاطب ترمب قائلاً: سورية أيضًا كانت بلدًا متقدماً، واعتدنا على الاستعانة بالأساتذة من سورية، هؤلاء خدموا مملكتنا، للأسف، هؤلاء أيضًا جلبوا الدمار لبلدهم.

لطالما نظر الكثير من السوريين والعرب للسعودية بشيء من القداسة، واعتبروها قبلة للمسلمين كونها تحتضن الحرمين الشريفين في مكة والمدينة، إضافة للثروات التي تتمتع بها، والتزامها لحد ما سابقًا بسياسة عدم التدخل في شؤون الآخرين، وتحديدًا خارج نطاق منظومة دول مجلس التعاون الخليجي الذي كانت تمثل مركز الثقل والقرار فيه.

لقد نَعِمَت السعودية بمركز مرموق في المنطقة والعالم، بلغ أوجه خلال ولاية الملك فيصل، بسبب موقفه من القضية الفلسطينية، والحرب العربية – الإسرائيلية، في شهر تشرين الأول أكتوبر العام 1973، وذلك عندما أعلن وبالتنسيق مع الشيخ زايد رئيس دولة الإمارات آنذاك، عن وقف تصدير البترول لعدد من الدول الغربية.

ثورات العرب بسلميتها واستبسالها، ألهمت شعوب العالم، لكن ركوب شيعة بعض دول الجزيرة العربية، إضافة لخشية أنظمة تلك الدول من وصول عدوى الثورات إليهم، أسهم في إرعاب معظمها
ثورات العرب بسلميتها واستبسالها، ألهمت شعوب العالم، لكن ركوب شيعة بعض دول الجزيرة العربية، إضافة لخشية أنظمة تلك الدول من وصول عدوى الثورات إليهم، أسهم في إرعاب معظمها
 

لاحقًا ومع انطلاق ثورات "الربيع العربي"، دخلت المنطقة ومعها العالم مرحلة ضبابية، شابها الارتباك وسوء تقدير للموقف، صاحَبهُ انحناء للعاصفة، فما يحدث أشبه ما يكون ببركان ثائر أخذ الناس على حين غرة، فمن تونس إلى مصر وليبيا وسورية واليمن والعراق، وبمستويات أقل إلى الجزائر والمغرب ولبنان والسودان، كانت الشعوب تنتفض ضد أنظمتها وحكامها، حتى شيعة البحرين والسعودية ركبوا الموجة وإن بصبغة طائفية نظراً للتغلغل الإيراني. 

ثورات العرب بسلميتها واستبسالها، ألهمت شعوب العالم، وأصبحت مضرب مثل بعد أن أسقطت عددًا من الحكام خلال أسابيع قليلة، لكن ركوب شيعة بعض دول الجزيرة العربية، إضافة لخشية أنظمة تلك الدول من وصول عدوى الثورات إليهم، أسهم في إرعاب معظمها، لتحسم أمرها بالوقوف في وجه هذه الثورات، والتصدي لها سرًا وعلناً.

عند الحديث عن نظرية المؤامرة لابد وأن نكون حذرين واقعيين، وأن نستند على أدلة وبراهين، فليس كل ما يصيبنا من نكسات وإخفاقات، هو نتيجة مؤامرة خارجية، وقد يحدث أن تكون المؤامرة ذاتية ناجمة عن جملة من الأخطاء المتراكمة، لكن وفي حالة ثورات الربيع العربي وما خلفه من مآسي إنسانية، فيمكننا القول إننا قد واجهنا مؤامرة مركبة ذات شقين، خارجي وذاتي، فالتدخل الخارجي الغير مباشر ضد ثورات العرب، كان ملموسًا لكنه تحول لاحقاً لتدخل عسكري أممي مباشر وبذريعة محاربة ما يسمى الإرهاب، أما الشق الذاتي فقد تمثل بإجرام الأنظمة من جهة وبقصور النخب عن توجيه القواعد ولم شملها وقيادتها لبر الأمان من جهة أخرى.

صحيح أن الفساد بالمجتمع السوري كان مستشريًا وإلى حد بعيد، لكن العامل الخارجي (إقليمي – دولي) هو ما ساعد بازدهاره، فقد لعب المال دورًا حاسمًا بتنصيب الفاسدين قادة عسكريين ومفاوضين سياسيين

لقد وقفت معظم النخب السياسية والدينية والعسكرية والإعلامية والفنية العربية، موقفًا مخزيًا من تطلعات شعوبها نحو الحرية، فدعمت الأنظمة والديكتاتوريات، وأسهمت في شرذمة المجتمعات العربية، وإدخالها في دائرة التصنيفات، فقد كانت هذه النخب جزءًا لا يتجزأ من منظومات الحكم المهترئة الفاسدة في معظم الدول العربية. فساد نخب المعارضة وتشرذمها، سهل عملية اختراقها، وبالتالي الإجهاز على الثورات من الداخل، فقد كانت جسداً بلا رأس.

في الحالة السورية، كان الموقف واضحا جليا، تشرذم وفصائلية منذ اليوم الأول للثورة، التي قدر لها أن تندلع بلا قيادة جامعة، ومع ذلك حققت إنجازات عظيمة وبإمكانيات محدودة، لكن الحاجة للدعم الخارجي والتنافس عليه، سهلت مهمة اختراقها على كافة الصعد، لقد اتخذ البعض من الثورة بازارًا يمارسون فيه التجارة. كان كل شيء قابلًا للبيع، الدين، الوطنية، الدماء، الحرمات، الكلمة، السلاح، كل شيء بلا استثناء! أنانية وعدم خبرة الكثير من السوريين وتناحرهم، أسهم في التمكين للفاسدين والعملاء، وبالتالي وأد حلم إزاحة وإسقاط نظام الأسد بأقل الخسائر الممكنة! 

صحيح أن الفساد في المجتمع السوري كان مستشريًا وإلى حد بعيد، لكن العامل الخارجي (إقليمي – دولي) هو ما ساعد في ازدهاره وجعله طاغيا، فقد لعب المال دورًا حاسمًا في تنصيب الفاسدين قادة عسكريين ومفاوضين سياسيين، حتى أذرع الثورة الإعلامية تم استقطاب معظمها، جهود جبارة بذلت في سبيل ذلك، حتى نظام الأسد دخل على الخط ودعم فصائل عدة وأبرم تفاهمات كثيرة خاصة في ريف دمشق وذلك حماية لنظامه في العاصمة.

بعض الفصائل المخترقة على مستوى القادة، نجحت في لجم الريف الدمشقي ومنعت سقوط نظام الأسد، ساهم بذلك منع ثوار درعا من الزحف باتجاه العاصمة، في حين أن الدور الإقليمي سهل سقوط أو تسليم مدينة حلب!

المتأمل للخارطة السورية في نهايات العام 2012 وبدايات العام 2013، سيلحظ وبما لا يدع مجالًا للشك، أن سورية كانت قاب قوسين أو أدنى من التحرير وإسقاط نظام الأسد، لنفاجئ بسحب الملف السوري من يد دولة قطر، لصالح السعودية والإمارات، لتغلق الحدود الجنوبية في وجه الجيش الحر، ويتم التضييق عليه، وحصر الدعم والإمداد بيد أشخاص ترى غرفة الموك أنهم الأصلح لتولي مهمة إخضاع الشعب السوري، هنا بدأت مرحلة الانحدار التي لا زلنا نعيش تبعات فصولها المأساوية. لقد دعمت بعض الأنظمة الخليجية والعربية الثورات المضادة وأشعلت حروبًا وفتنًا وتسببت بكل ما تعيشه شعوبنا من مآسي!

عند الحديث عن تخريب السوريين لوطنهم لا يمكن إغفال ثلاثة عوامل مهمة:
* الأول: رفض نظام الأسد التنحي أو الإصلاح الحقيقي، والمضي بدل ذلك في سياسة التغول بدماء وحرمات وممتلكات السوريين.

الثاني: حماية دولية – إقليمية تلقاها نظام الأسد، عدا عن التنسيق الاستخباراتي معه ولجم الفصائل، ليتوج كل ذلك بتدخل روسيا والتحالف الدولي عسكريًا والمساهمة في تدمير ما تبقى من سورية. 

ها هي السعودية تعود مجددا لتتولى مهمة إعادة المعارضة لحظيرة الأسد، وهي بهذا تمنحه صك غفران وشرعية فقدها منذ هتف السوريون الشعب يريد إسقاط النظام

الثالث: دعم مادي وعسكري إيراني وزجٌ بعشرات الميليشيات الطائفية، أما عربيا فإن السعودية والإمارات قدمتا منحاً وقروض، ومولتا تجديد ترسانة السيسي وإرسال القديم لنظام الأسد، الذي دعمته أيضا دول عربية عدة، بشكل مباشر وغير مباشر، بعضها يتحضر لإعلان عودة العلاقات الكاملة معه.

يكفي أن نعلم أن أول إدانة سعودية خجولة وسحب لسفيرها من دمشق، كانت في الشهر الثامن من العام 2011، إضافة لتضييق دول عدة على رأسها الإمارات، على معارضي نظام الأسد، وقيامها بترحيل المئات منهم، عدا عن ابتزازهم ومحاولة تجنيدهم جواسيس وعملاء لها.

رغم التجاوزات المحدودة إلا أنه ليس السوريون الثائرون هم من خرب وطنهم، فقد كانوا يتظاهرون سلميًا ويرفعون شعارات الوحدة الوطنية وفي كثير من الحالات يقدمون الورد لعناصر أمن وجيش النظام الذين كانوا يردون بالقتل والاعتقال.

لقد كانت سورية والسوريين ضحية تآمر دولي – إقليمي جعل من سورية محرقة يخوف بها شعوب المنطقة، وسعى لوأد الثورة عسكرياً وسياسياً من خلال جمع السعودية والإمارات ومصر لأطياف من المعارضة المدجنة وتشكيل هيئة مفاوضات شرعن لها مجلس إسلامي صوري، مهمته الإفتاء بجواز المصالحات والهدن والمفاوضات وتحليل الاقتتال الفصائلي، وها هي السعودية تعود مجددا لتتولى مهمة إعادة المعارضة لحظيرة الأسد، وهي بهذا تمنحه صك غفران وشرعية فقدها منذ هتف السوريون الشعب يريد إسقاط النظام، فمن هو الذي خرب سورية يا جلالة الملك؟!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.