شعار قسم مدونات

أمن المواطن" غير الإسرائيلي".. محمود حسين

blogs - محمود حسين

بدى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قلقاً، وهو يقف على منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة يلقى خطابه، كان مكفهر الوجه، مقطب الحاجبين. حتماً كان قلقه من النوع الذي لا يُحتَمل، قلق دفع الرجل إلى الخروج عن النص المكتوب أمامه، في مقام يلتزم فيه أقرانه بنصوصهم. قال الرجل وجلاً، أنه يهتم "بأمن وسلامة المواطن الإسرائيلي."

 

عندما استمعت لخطاب الرئيس المصري المفعم بالرغبة الملحة في توفير الأمن والسلامة "للمواطن الإسرائيلي"، ونداءاته الحثيثة لجميع الأطراف للالتفات لهذا الأمر الهام، قفزت إلى ذهني صورة العديد من المواطنين المصريين المهددين في أمنهم وسلامتهم، وصدقاً يستحقون قلق الرئيس.

 

وتزامن الخطاب مع خبر تجديد الاعتقال لزميلنا الصحفي محمود حسين لمدة 45 يوماً، في وقت كان هو وأسرته وزملائه يألمون في الإفراج عنه لسوء حالته الصحية بعد أن تعرض لكسر مضاعف في يده اليسرى، ولم تسمح له سلطات المعتقل بالعلاج.

 

خبر التجديد لمحمود حسين وقلق الرئيس على "أمن المواطن الإسرائيلي" تزامنا أمامي على تايم لاين الأخبار. فقفزت المقارنة في رأسي، مجرد مقارنة بين أمن "المواطن الإسرائيلي" – الذي أثق أنه آمن- وأمن "مواطن آخر غير إسرائيلي"!

 

الزميل محمود حسين بعد أن تعرض لكسر مضاعف في يده اليسرى، ولم تسمح له سلطات المعتقل بالعلاج  (الجزيرة)
الزميل محمود حسين بعد أن تعرض لكسر مضاعف في يده اليسرى، ولم تسمح له سلطات المعتقل بالعلاج  (الجزيرة)

محمود حسين ليس وحده، فرفاقه كثيرون، زملاء صحفيون ومواطنون مصريون كثر، مهددون في سلامتهم الصحية والبدنية، يقبعون في سجون مصر منذ شهور وسنين، قيد الاعتقال دون تهم واضحة، يعانون ظروفاً إنسانية وصحية بالغة السوء، لم تستدع قلق الرئيس، لكنها استوجبت قلق جهات دولية عدة، كالمؤسسات الحقوقية التي أصدرت تقاريرها تحث السلطات المصرية، ليس على الإفراج عنهم، لا سمح الله، لكن على توفير العناية الصحية لهم، ومنهم على سبيل الذكر لا الحصر، الصحفي الأستاذ هشام جعفر المهدد بفقد بصره، والمصور شوكان الذي أتم أربعة سنوات وراء القضبان دون تهمة سوى القيام بعمله ويعاني من الإصابة بفيروس سي، والعشرات الآخرين.

 

توفير الرعاية الصحية لهؤلاء "المواطنين المصريين" أمر يجب أن يكون مكفولاً لهم بالأساس، دون نداءات أو تقارير، أمر مستحق ومكفول وفق القوانين الدولية، حتى للأعداء عندما يقعوا أسرى، فما بالنا بمواطنين الدولة؟

 

محمود حسين حالة واحدة من حالات كثر، ألقت السلطات المصرية القبض عليه أثناء عودته لبلاده لقضاء أجازته السنوية في ديسمبر الماضي، ويمر في 22 سبتمبر تسعة أشهر كاملة على اعتقاله، الذي تم بناء على تهم عجيبة ألقتها عليه السلطات المصرية وهي "أنه كان يشارك في تنفيذ مخطط يستهدف إثارة الفتن والتحريض على مؤسسات الدولة وإشاعة الفوضى من خلال بث أخبار كاذبة" كما قالت الداخلية المصرية.

 

لم أتشرف بمعرفة الزميل شخصياً، لكن القبض عليه جعلني ألتفت لسيرته الذاتية، لأجد منها ما يستحق التكريم لا الاعتقال

والسؤال: كيف يمكن لرجل يقدم على كل هذه الذنوب أن يزور بلاده بمنتهى الأريحية إذا كان ضالعاً في كل ذلك؟ ثم إذا كانت التهم صحيحة، ما دخل شقيقي الزميل الذين ألقي القبض عليهم، بعد القبض عليه؟ (رغم أنه تم الإفراج عن الشقيقين لاحقاً).

 

لم أتشرف بمعرفة الزميل شخصياً، لكن القبض عليه جعلني ألتفت لسيرته الذاتية، لأجد منها ما يستحق التكريم لا الاعتقال، فرغم كفاحه الذاتي للتغلب على بعض الظروف الشخصية الصعبة، درس السياسة في جامعة القاهرة، ثم التاريخ ثم الآداب، ثم تولى مناصباً عدة في الإعلام المصري، قبل أن يقبل العروض المهنية الخارجية التي تقدر موهبته وخبرته.

 

كل ذلك جعل الأسئلة تضرب رأسي: لماذا لا يقلق الرئيس على أمن المواطن "غير الإسرائيلي" محمود حسين؟ لماذا لا يقلق الرئيس على أمن الشقيق محمود حسين الذي يؤلم اعتقاله أشقائه التسعة وعائلاتهم؟ لماذا لا يقلق الرئيس على أمن الأب محمود حسين؟ ما الذي يجب أن نفعله ليقلق الرئيس على أمن هؤلاء الذين لم يحظوا بالجنسية الإسرائيلية، التي تكفل لهم قلق الرئيس؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.