شعار قسم مدونات

"سيلفي" على القمة

blogs - رجل في قمة جبل
يجلس على أريكته، يرفع رجلا لأعلى ويضع الأخرى فوقها، يشعل سيجارة ويرمي نفثه فوق أقرب صحن تصل إليه يده، ويبدأ يثرثر بكلام يضفي على وجهه هيبة مستغربة! يتحدث عن أحلامه وآماله وأمانيه ويحلق عالياً في الفضاء وقدمه ما تزال بعيدة عن الأرض التي يطأها!

يفتح حسابه على الفيسبوك من جواله مستخدماً إبهامه الأيمن، ويبدأ يقلب الصفحة تلو الأخرى، ومع كل حركة نزول للأسفل يتبعه بتعليق ساخر أو تمتمة تنطبع معالمها على وجهه قبل أن تخرج من فمه.
أن تكون بلا عمل فهذا طبيعي، شأنك شأن كثير من الشباب الباحث عن العمل، وأن لا يكون لديك مشروع تعمل وتسعى إليه فهذا ربما يكون مقبولاً أيضاً، كون الكثير من الشباب ما زال تائهاً وباحثاً عن مشروع يضع قدمه فيه، ولكن أن تظن أن الطريق إلى النجاح هو السخرية من مشاريع الآخرين، والاستهزاء بها، فهذه معضلة ومشكلة! وربما تكون مشكلة نفسية بالدرجة الأولى قبل أن تكون مشكلة عقلية متعلقة بالتفكير.

بعض الشباب احترف الهدم بدل البناء، وأتقن حمل الفأس ليهدم مشاريع الآخرين بدل الضرب في أرض مشروعه وغرس بذوره. وما نراه من انشغال كثيرين بآخرين، وما وصلوا إليه، وأي بلد أقاموا، وأي مؤتمر حضروا، وما لبسوا فيه، وما أكلوا! كل هذا من مرض النفوس، واعتلال البوصلة.
أتفهم جداً طموحات كثيرين ورغبتهم في الوصول إلى قمة النجاح، وأخذ صور تذكارية و(سيلفي) مع النجوم فيها، لكنك في سلوكك للطريق الخاطئ، واستمرارك فيه، فلن تصل إلى نهاية سعيدة، حتى وإن ركبت سيارة فارهة، واستمتعت باللحظات الجميلة فيها.

لا تزال معادلة العمل غير واضحة المعالم في أذهان كثيرين، وما يزال قانون "المزرعة" كما يسميه ستيفن كوفي غير ناضج في عقولهم

بعض الشباب يظن أن جني الثروة أو المعرفة أو تطوير الذات وتعليمها يتأتي من غير عمل وتعب وجد، ومن غير تجربة ونجاح حيناً وفشل في أحيان كثيرة، ويظن أن من وصلوا إلى القمة، أو من هم في طريقهم إليها يقضون كامل ليلهم ونهارهم في الاستمتاع بمشاهدة الأفلام والدردشة مع الأقران والأصدقاء.

للأسف، لا تزال معادلة العمل غير واضحة المعالم في أذهان كثيرين، وما يزال قانون "المزرعة" كما يسميه ستيفن كوفي غير ناضج في عقولهم، فلرعاية نبتة أو زهرة جميلة، فإنك تبذل الكثير من الجهد والوقت وانشغال البال والذهن وقلة الراحة في متابعتها ورعايتها حتى تراها ماثلة أمامك زهرة جميلة تعبق المكان برائحتها الجميلة. وإن حاولت استباق الخطوات أو تسريعها فلربما يفشل المشروع بشكل كامل وتعود الى المربع الأول جاراً أذيال الخيبة.

في حياتك العملية لا تلتفت للضجيج، بل ركز على أهدافك، ولا تجعل الضوضاء من حولك تشتت انتباهك وتركيزك، ومن المهم جداً ان تعلم أن ساحة النجاح كبيرة وتتسع للكثيرين، فوصول غيرك للقمة قبلك لا يعني أن المكان قد امتلأ، وأن فرصتك قد اضمحلت، بل هي ساحة كبيرة تتمدد وتتسع باتساع قلوبنا لبعضنا، ومحبتنا لإنجازات غيرنا وافتخارنا بهم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.