شعار قسم مدونات

قاوم أو خُدلك جنب

blogs خالد علي

داخل ميكروباص متوجه إلى القاهرة، نظر إليّ الجالس بجانبي وكان رجلا في نهاية الأربعينات نظرة متفحصة ثم سألني:

-إنت رايح فين؟

فأجبته: رايح ميدان التحرير

– ليه؟

– رايح أخلع حسني مبارك

وبابتسامة سخرية ممزوجة بالألم رد قائلا: روح يا بني شوف مصالحك ربنا نفسه ما يقدرش يخلع حسني مبارك

 

كانت جملة زميل الميكروباص خير معبر وملخص لحال الملايين من اليائسين وفاقدي الأمل في تغير أحوال البلاد التي وصلت إلى الحضيض على يد مبارك، يأس وصل إلى درجة اليقين بأن الطاغوت لن يرحل إلا مقبورا بيد ملك الموت لا غيره، تلك الحالة الانهزامية اليائسة نفسها التي أقرأها اليوم في كلام الكثيرين من دُعاة مُقاطعة الانتخابات الرئاسية والذين فقدوا الأمل نهائيا في أي تغيير سلمي حتى وصل بهم الحل أن أصبحوا قوة مضادة لكل دعاة الأمل والمقاومة عبر الانتخابات.

 وكأننا نفَرٌ من الناس فاتهم قطار فقرر بعضهم الجري للحاق به وتملك اليأس الآخرين لدرجة أن كرسوا جهودهم في الإمساك بتلابيب الأولين لمنعهم من الجري، فأصبحوا يستميتون في الدعاية لترك العملية السياسية وباقي العمليات للسيسي إلى أن يزيحه عنا القدر بأي شكل من الأشكال؛ سواء كان انقلابا على الانقلاب أو الانفجار الشعبي، أو نسيبه يقع لوحده إن شاء الله، رافضين حتى أن يتركوا دُعاة الأمل في المحاولة.
 

السيسي بعقليته العسكرية الديكتاتورية لم يهتم قط لا بتجميل وجهه ولا بأي ديكور شكلي، فأصدر قراره بتمديد حالة الطوارئ رغم عدم احتياجه الشديد لها
السيسي بعقليته العسكرية الديكتاتورية لم يهتم قط لا بتجميل وجهه ولا بأي ديكور شكلي، فأصدر قراره بتمديد حالة الطوارئ رغم عدم احتياجه الشديد لها
 

حالة اليأس تلك تطورت بصورة محزنة وتطورت معها نظرتهم للعازمين على المشاركة والمحاولة من الخلاف في وجهات النظر وصولا إلى اتهام البعض بأنهم مأجورون لتجميل وجه السيسي، ومن التحذير من أن المشاركة ستعطي شرعية للنظام إلى اتهام خالد علي نفسه بأنه على اتفاق مع السيسي أو أحد أجهزته بترتيب المسرحية، حتى أصبحوا بشكل مدهش جزءا من حملة الهجوم على المعارضة أشد ضراوة من السيساوية أنفسهم، ورغم أنه تم تفنيد كل تلك المقولات المُعلبة والجاهزة لم يثنهم ذلك عن الاستمرار في ترديدها.

 

إن السيسي بعقليته العسكرية الديكتاتورية لم يهتم قط لا بتجميل وجهه ولا بأي ديكور شكلي، فأصدر قراره بتمديد حالة الطوارئ رغم عدم احتياجه الشديد لها في ظل وجود قوانين وإجراءات وتعديلات أجراها خلال مدته الأولى ستكفل له الغطاء المطلوب للحفاظ على منسوب القمع في غياب حالة الطوارئ التي ربما كان إلغاؤها يعطي انطباعا بهامش حرية أثناء الانتخابات.

 

لكن هذا آخر ما يفكر فيه، فهو منذ اللحظة الأولى يقول بأن لا مجال لشيء اسمه حرية ولا حقوق ولن يكون طالما بقي في منصبه، حتى المعارضة اللطيفة مقلمة الأظافر لا تُرضيه فقام بإقصاء كل صوت لا يسلم له تسليم الذبيحة، فأنت إما معي تماما أو عدو، فأقال نوابا وأخرس مذيعين لم تتخط معارضتهم بعض الوزراء أو المسؤولين ولم تقترب بأي شكل من الأشكال -لا سمح الله – من ذاته، فلماذا سيهتم بوجود منافسين أساسا إن كان هدفه ومنهجه أنه لا شريك له ولا ينبغي أن يكون ولو محتملا؟!

 

العبرة ليست بنجاح الثورة وإنما بأخذ موقف.. فالثورات قابلة لأن تجهض، الدعوات الحقة قابلة لأن تهزم، وهذا ليس أبدا معيارا للفشل، حاشا وكلا.. فالعبرة بالموقف

لذا يا صديقي، أنت تواجه نظاما لا يملك من الحياء مثقال ذرة، ولا يشغل باله ديكور داخلي ولا خارجي، وأنت أمامه في خيارين لا ثالث لهما؛ إما أن تقاوم أو تستلم، فحتى المُقاطعة كخيار سياسي تعني استبدال المشاركة بآليات وفاعليات أخرى وهو ما ليس له وجود اليوم، والامتناع عن المشاركة بدعوى أن العملية ستزور بالكامل لَشيء يدعو إلى الاستغراب؛ وكأننا نعيش في النرويج أو نواجه نظام نيلسون مانديلا، فمن الطبيعي أن نظاما كنظام السيسي سيسعى للتزوير، ولكن هل سيتم منع ذلك بالمقاطعة أم بمواجهته في اللجان؟ كما أن مقاطعتك ستوفر عليه العملية بأكملها لأنه لن يكون في حاجة إلى التزوير إذا لم توجد معركة بالأساس، وعليه فإنه سيفوز بكل شفافية لأن لا أحد غيره سيذهب للجان.

 

 يا عزيزي أنت تواجه نظاما مدججا بالسلاح وليس في يدك سوى حجر إما أن تقذفه في وجهه علّها تخزق عينه، وإما أن تضع هذا الحجر في فمك وتنتظر ما تسفر عنه الأيام والليالي، وبالطبع لك كامل الحق في خيارك، ولكن ما الفائدة من حرصك الشديد على إقناع الناس بأن يأكلوا الحجر مثلك؟

 

فمعركة الحرية معركة طويلة وتراكمية تؤسس فيها المقاومة تيارها خلال المعارك التي تخوضها، ولو أن كل أصحاب القضايا العادلة الذين يواجهون ظلما أقوى منهم تركوا القضية للظالمين ما بقيت قضية عادلة واحدة حتى اليوم، ولكنها باقية وممتدة لعقود مضت وستمتد لعقود قادمة بك أو بدونك فلتنظر لنفسك وموقفك الشخصي أين أنت منها، وما عليك إلا أن تقاوم أو تتنحى جانبا لمن قرروا المقاومة.

 

فالآن نحن في معركة جمع التوكيلات لخالد علي ولا ندري هل سنستطيع إكمال المطلوب أم لا، وإذا أكملنا التوكيلات هل سيدخل خالد سباق الانتخابات أم سيستبعدوه، وإذا أكمل هل سنستطيع الوصول إلى صناديق الاقتراع أم لا، وكل معركة من تلك المعارك هي حجر يوضع فوق الآخر، نتعلم منها ونعلن بها أننا لانزال أحياء وباقون ومستمرون في المقاومة والنضال ولسنا ذبائح مستسلمة.

 

وأقول لك ما قاله شيخ الثوار، الشهيد عماد عفت: "العبرة ليست بنجاح الثورة وإنما بأخذ موقف.. فالثورات قابلة لأن تجهض، الدعوات الحقة قابلة لأن تهزم.. الأنبياء يأتي بعضهم {صلوات الله عليهم وسلامه} ليس معه أحد، وبعضهم قُتل، وهذا ليس أبدا معيارا للفشل، حاشا وكلا.. العبرة بالموقف.. لا تنظر إلى عاقبة ما حصل ولكن انظر إلى طبيعة وماهية ما حصل: أين أنت منه؟ وأين كنت فيه؟" لذا فأنت مُخير بين أن تُقاوم وإما تاخدلك جنب وتوسع لغيرك الله لا يسيئك.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.