شعار قسم مدونات

السؤال الذي يخشاه الجميع

blogs ريال مدريد

عند صعود نجم غوارديولا في بدايات موسم 2008-2009، مرورا بفوزه مع برشلونة ببطولتين للشامبيونزليغ، بمستوى استثنائي ومسيرة شبه إعجازية، صارت التيكي تاكا بمفرداتها الخاصة هي الشغل الشاغل لمختلف وسائل الإعلام، حتى نهائي شامبيونزليغ 2013 بين دورتموند وبايرن. خلافا لهذا الأسلوب، ظهرت عدة إستراتيجيات تضاهيه أو تختلف عنه وقد تتفق، الضغط الألماني المنبثق من أفكار رالف رانغنيك، ويورغن كلوب، فيما يعرف بالغيغن بريسينغ، أما سيميوني فاتجه إلى "الأنتي فوتبول" والقوة الدفاعية المعقدة من دون الكرة. كذلك كونتي مع البناء من الخلف، وخلق التفوق العددي بأقل عدد من اللاعبين في نصف ملعب الخصم، ليأتي بعده أليغري بمرونة أكبر وتحفظ أقرب إلى التوازن.

 

في النهاية يمكن القول بأن هذا الأسلوب تحول إلى ما يشبه النموذج، يفضله البعض ويعاديه البعض الآخر، من باب الفعل ورده، أو المصل وتضاده. كل هذا كلام يمكن قبوله أو رفضه، ويبقى وجهة نظر جديرة بالدراسة والتحليل، لكن ماذا عن ريال مدريد؟

 

يعتبر نجاح هذا الفريق مناسبا بشدة لهذه المرحلة، لا يوجد أسلوب لعب ناجح أو ظاهر أكثر من غيره، فهو ناد يضع الموارد عادة قبل النظرية، وعندما لا يسود أسلوب واحد، فإن النهج الذي يتبعه قد ينجح. يجمع الميرينغي النجوم اللامعة ويشكل ما يضمن له الفوز وحصد البطولات.

يملك الريال أقوى وسط في أوروبا؛ دكة جبارة، لياقة بدنية فولاذية، ومدير فني يتعامل بامتياز مع الضغوطات، هذه هي أسباب الفوز
يملك الريال أقوى وسط في أوروبا؛ دكة جبارة، لياقة بدنية فولاذية، ومدير فني يتعامل بامتياز مع الضغوطات، هذه هي أسباب الفوز
 

هذا ما أريده من حديث جوناثان ويلسون، في شرحه لأهم أحداث عام 2017، للحديث عن السؤال الذي يتهرب الخبراء من الإجابة عليه، لماذا تحولت حال الريال إلى النقيض بهذه السرعة غير المتوقعة؟! فالملكي لا ينتمي إلى معسكر الاستحواذ وتلاميذه، لكنه أيضا لا يتواجد في المقابل ضمن المعسكر الآخر، الذي يعدل من أوراقه للوقوف أمام الحيازة ومشتقاتها. حامل لقب الأبطال أقرب إلى نسخة خليطة، مع علو كعب النجوم فوق كل شيء، لذلك لا عجب إطلاقا من أن ديل بوسكي وزيدان هما الفائزان معه بثنائية للشامبيونزليغ، الثنائي القابع في قلب الوسط، لا يمين متطرف ولا يسار راديكالي.

 

حقق البلانكو نجاحات مدوية مع زيدان، لكن دون تحديد أسباب خططية بحتة لهذا التفوق، ذهب البعض إلى وفرة العناصر الأساسية وقوة البدائل، مع شخصية زيزو القوية وسيطرته على غرفة الملابس، بينما تحدث المختصون عن قوة الوسط وصعود الأظهرة، ليتم ترجمة الفرص إلى أهداف بواسطة المهاجمين داخل وخارج الصندوق.

 

عانى الفريق خلال الموسم الماضي من مشكلة التحولات، فمجموعة زيدان وجدت مشاكل واضحة أمام الفرق التي تستحوذ وتجبرهم على ترك الكرة مع استغلال الفراغات بين الدفاع ولاعبي الوسط

كلها عوامل قد تبدو صحيحة ومنطقية، لكنها ليست دقيقة، لأن جزءا كبيرا من هذا التفوق اقترن بالعرضيات والغرينتا وانتصارات اللحظات الأخيرة، ليتحول إلى سيطرة شبه مطلقة في الأدوار الإقصائية لذات الأذنين، مع اكتساح أتليتكو ويوفنتوس في أدوار الحسم، لقد تحول الشك إلى شك أكبر، صحيح لم يعد أحد قادرا على وصف التغير الطارئ بالحظ، لكن أيضا لم ينجح التكتيك وحده في شرح الصورة الكاملة.

 

يملك الريال أقوى وسط في أوروبا؛ دكة جبارة، لياقة بدنية فولاذية، ومدير فني يتعامل بامتياز مع الضغوطات، هذه هي أسباب الفوز، لكن ماذا عن مفردات الخسارة هذا الموسم؟ نعم خرج موراتا ورودريغز، لكن في المقابل جاء سيبايوس وثيو هيرنانديز وتعملق أسينسيو في التحضيرات الصيفية، لدرجة أن معظم التحليلات وصفت بيريز بالذكاء وزيدان بالعبقرية، نظرا لإنهاء الميركاتو سريعا، ودعم الدكة بعدد لا بأس به من الشبان.

 

أرى هذا الأمر صحيحا من الناحية النظرية، لكنه منقوص في الجانب العملي، لأن الريال ترك مجموعة جائعة ذات شخصية قوية، وعوضها بصغار لديهم مستقبل مشرق، لكنهم موافقون على الجلوس خارج الخط، مثل خطأ برشلونة في صيف 2016، عندما تعاقد إنريكي مع أكثر من لاعب مميز لكن للجلوس على الدكة لا للحرب على التشكيلة الأساسية، وهذا ما أفقد البارسا سابقا والريال حاليا متعة التنافر بين لاعبي المجموعة الواحدة، ليعود هذا بالنفع على نتائج الفريق في النهاية.

 

ربما يهزم الريال باريس ذهابا وإيابا في أوروبا، ومثلما كانت أدوات صعوده إلى القمة غير مكتملة المعالم، فإن سقوطه إلى الهاوية يسير بنفس التعقيد
ربما يهزم الريال باريس ذهابا وإيابا في أوروبا، ومثلما كانت أدوات صعوده إلى القمة غير مكتملة المعالم، فإن سقوطه إلى الهاوية يسير بنفس التعقيد
 

يشعر موراتا أن زيدان يحب بنزيما، لذلك كلما يشارك فإنه يسجل ويستغل العرضيات، لكن مايورال شاب لطيف طيب لا تفرق معه هذه النعرات، كذلك خاميس رودريغز يرى نفسه وأنه سوبر ستار، لا يقل عن كريستيانو وغيره، هو أحد نجوم كأس العالم 2014، أما أسينسيو لا يزال في بداية طريقه، فُتن بأضواء الشهرة ورضى بدور صديق البطل، ليفقد الريال الحمية المطلوبة قبل أن يخسر سلاح العرضيات التي توفره ثنائية خاميس-موراتا.

 

تكتيكيا، عانى الفريق خلال الموسم الماضي من مشكلة التحولات، فمجموعة زيدان وجدت مشاكل واضحة أمام الفرق التي تستحوذ، وتجبرهم على ترك الكرة مع استغلال الفراغات بين الدفاع ولاعبي الوسط، حدث ذلك ضد برشلونة وبايرن ميونخ وإشبيلية ولاس بالماس وسيلتا فيغو، لكن مع قوة الجانب اللياقي وتواجد النجوم مع إدارة زيدان للموقف بحنكة وهدوء، نجح الفريق في تجاوز هذه المطبات وفاز بالليغا والأبطال في النهاية، بينما هذا الموسم فقد المدرب ثقته في البدلاء، ليلعب بمجموعة محدودة من الأسماء، ويقل المخزون البدني الذي كان حائط الصد الرئيسي لنقص الأفكار، والجدار الأول لمعالجة "الديفوهات" الموجودة داخل الخطة، حتى في حالة تحقيق هذا الكم الكبير من الألقاب.

 

"في أول موسمين، يكون المدرب في كامل عطائه وتوهجه، لكن بالموسم الثالث، يتحول الموضوع إلى ما يشبه الرتابة والتوقع، كل شيء سهل التنبؤ به، وحتى اللاعبون يقل عندهم الدافع تدريجيا، يجب على كل مدرب مضاعفة عمله في الموسم الثالث"، هذه هي النبوءة القديمة التي قالها بيلا غوتمان، وتصف الوضع الحالي بإيجاز، لكن ليس بالضرورة أن يفشل زيدان بالفترة المقبلة، خصوصا مع تصاعد وتيرة عجلات الروليت عبر مسيرته، من الشك إلى اليقين مرورا بالثقة، قبل العودة مرة أخرى إلى البدايات. ربما يهزم الريال باريس ذهابا وإيابا في أوروبا، ومثلما كانت أدوات صعوده إلى القمة غير مكتملة المعالم، فإن سقوطه إلى الهاوية يسير بنفس التعقيد، من الصعب بل المستحيل تحديده بدقة، على الأقل حتى هذه اللحظة!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.