شعار قسم مدونات

من دفء تونس الثورة أكتب.!

blogs - tunisia

هبطت الطائرة في مطار قرطاج الدولي بتونس العاصمة، كنت بصحبة صحافية إسبانية نتجاذب أطراف الحديث حول طبيعة البلد التي يزورها كلانا لأول مرة. كانت الأخبار تتوالى من تونس حول وجود تظاهرات وأعمال عنف وشغب أفضى لوقوع قتلى ومصابين قبيل أيام من الذكرى السابعة لاندلاع أولى ثورات الربيع العربي.

 

لا أنكر أنني كمصري محمل بالخيبات والهزائم المتتالية ربما تكون نظرتي للأمور أكثر تشاؤمية من غيري، إلا أنني هنا أعترف بأن شعورا متناقضا انتابني عند الوصول لتونس، لا سيما في ذكرى ثورتها السابعة التي مثلت الشرارة لثورتنا المصرية في الـ 25 من يناير، ومن ثم سائر دول الربيع العربي.

 

شيء من الفخر، وذكريات استعادة الكرامة المهدرة بفعل الاستبداديات العربية التي تشن علينا هجوما معاكسا الآن، نعم ولما لا؟!

 

ذكريات الثورة ثارت في النفس مجددا رغم كل تلك الأحداث المتتالية، والهزائم المتجددة. من هنا ثار البوعزيزي، من هنا كُسرت القيود والأطواق في أول دولة عربية استلمت الراية منها سريعا ثورتنا في مصر، ثم سلمتها لليبيا واليمن وسوريا، وبشرت بها في المنطقة.

 

كيف لا تفخر وأنت تعلم أن شبابا مثلك وتجمعك بهم جِلدة الحرية حلموا وأنفذوا حلمهم، بل وتخطى الحلم الآفاق والحدود، وأزال مباركا والقذافي وصالح وكسر هيبة الأسد، وارتعدت منه فرائس ممالك الخليج، حتى قررت إنفاق الغالي والنفيس لإزهاق روح هذا الحلم.

 

نعم ليحتفل الشعب التونسي بذكرى ثورته، وليعترض ويسخط على تردي الأوضاع الاقتصادية، وليُطالب بالقصاص للشهداء والمصابين، وليسخط من الفساد، وليمارس الحرية، أليس هذا الذي كنا نُطالب به!

أنت من هذا  الجيل وهذا الجيل منك، تشاركتم الأحلام والتطلعات، اختلفت سبلنا ربما، لكن هدف التحرر لم نحد عنه، بهذا كانت تحدثني نفسي وأنا أتجول في شوارع تونس التي اكتست بأعلام ثورتها احتفالًا بذكراها، ولا أخفي أن مشاعر الفخر كانت ممزوجة بغصة الاشتياق إلى هذه الحرية التي سُلبت منا لفرط سذاجتنا ربما ولإجرام من واجهنا.

 

منصات القوى السياسية المختلفة كانت على امتداد شارع الحبيب بورقيبة -أحد أشهر شوارع العاصمة التونسية- كانت تحتفل بالثورة (وإن كان كلٌ يغني على ليلاه)، وجدالات الميدان وشبابه صاخبة، والأصدقاء والرفاق في تجمعات ودوائر مختلفة. كل هذا لم يكن يختلف كثيرًا عن ميداننا في مصر لولا صعلوك غشوم صعد على دمائنا لسدة الحكم، ونحن الآن مشردون في الأرض، نُحيي ذكرى هزائمنا كل سنة.

 

أعلم أن الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي في تونس ليس على ما يُرام، ومآلات الثورة التونسية ليست مرضية لجميع الأطراف، وثمة نقاشات حادة في هذا الأمر، ولكن لا تستطيع أن تنكر مسألة الحفاظ على هامش الحرية والصوت الذي يجهر بها مكتسبا هاما لا يمكن إغفاله.

 

 نعم ليحتفل الشعب التونسي بذكرى ثورته، وليعترض ويسخط على تردي الأوضاع الاقتصادية، وليُطالب بالقصاص للشهداء والمصابين، وليسخط من الفساد، وليمارس الحرية، أليس هذا الذي كنا نُطالب به!

 

بالطبع هذا أفضل من تشييع جنازات من تتم تصفيتهم خارج إطار القانون، أو من يموتون بالإهمال الطبي في السجون والمعتقلات، وأفضل من طلب إذن بالتظاهر لأجل رفض قطعة أرض بيعت من الوطن، وأفضل من ترك آلاف المعتقلين يتعفنون في السجون في انتظار من يغيثهم.

 

دفء الثورة التونسية التي أعطتنا الأمل في السابق يأبى إلا أن ينغص علينا تشاؤمنا هذه المرة، بأن يعطينا صورة متخيلة لما كان يمكن أن يكون بحوذتنا لولا أن فرطنا بحلمنا.

 

وهنا لا أقارن بسذاجة أوضاعا وسياقات بأخرى، كل ثورة كانت لها معاركها المختلفة، وإنما هي خيالات وشجون ذاتية وغير موضوعية ثارت في النفس فجأة شوقا إلى هذا الحلم الذي حلق بعيدا ولم يبق منه سوى طيف يؤرقنا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.