شعار قسم مدونات

هل ينزل سامي عنان بمصر عن الشجرة؟!

blogs سامي عنان

يبدو السيسي مرعوبا من ترشّح قائد الأركان الأسبق سامي عنان، وقد ظهر من أذرعه الإعلامية رُعب مشابه إثر محاولة أحمد شفيق المجهضة منذ أسابيع، وقد سبق ذلك الرعب كلام وفعال كثيرة، تدلّ على عدم سيطرته على مقاليد دولة مبارك بالغة العمق، شديدة التشعّب والتعقيد.

 

فمن تحذيراته الغريبة المبهمة للشعب، وطلبه منهم ألا يسمعوا سواه، إلى حملة الإقالات المفاجئة، التي لم يسلم منها صهره وصديقه محمود حجازي، وأعقبها برئيس جهاز أمن الدولة، ثم بلغت ذروتها بتعيين مدير مكتبه عباس كامل مسيّرا لجهاز المخابرات العامة، كلّ هذا يدلّ على أن السيسي يتحسس الغدر من حوله، ولا يأمن أن يجري عليه انقلاب ما من الداخل.

 

لا عاقل يعتقد أن خلاص مصر وبلاد العرب عموما سيتم على يد عسكري، بل طالما كانت الجيوشُ أُسّ البلاء، منذ أن تركت مهمتها في حماية أرواح العباد وحدود البلاد، وقررت أن تباشر بنفسها السلطة على الناس، مستقوية بالسلاح الذي تشتريه من أقواتهم، ومتذرّعة بشرعية المهمة المقدسة التي طالما فشلت فيها.

 

لا شكّ أنّ اختيار الإخوان للّعب على صراع السيسي/عنان فيه من المحاذير الأخلاقية ما فيه، لكنّ أسبابا غير أخلاقية أيضا قد تدعو قيادة الإخوان بالخارج، إلى عدم المضيّ في هذه الطريق

لقد كانت خطيئة خصوم الإسلاميين الكُبرى هي استدعاء الجيش من جديد، ليعود إلى السلطة على أكتاف الثوار في 30 من يونيو، وكم يبدو سخيفا أن يُرى الخلاصُ الآن أو يُـتوقّع على يد عسكريّ عريق من المنظومة نفسها، لكن الذي يمكن أن يُقال: إنّ من يحكم الآن هو عسكريّ أتى بانقلاب، وسفاح فوق ذلك، قضى على الحياة السياسية بالكلية، وأغلق منافذ التغيير إغلاقا غير مسبوق، ولا أظنّ أحدا من معسكر الثورة، من جميع الأطراف المتخاصمة، سيتضرر من حصول مناوشة تفضي إلى تغيير -مهما كان بسيطًا- في منظومة الحكم الحالية.

 

والحقّ أن سامي عنان -إذا استطاع أن يستمرّ ويتمّ ترشحه- يكادُ يكون أنسب من تنزل مصر كلّها عن الشجرة التي أصعدها السيسيّ فوقها، فالداهية الذي أدار حراك الجيش إبّان ثورة يناير، قادر على استلام تركة السيسي المُكلفة، دون أن يُلام عليها ذلك اللوم، ويسير في مسار مصالحة مجتمعية، تريح الدولة من المواجهة الصفرية التي تخوضها ضدّ أي نَفَس إسلاميّ أو معارض، هذه المواجهة التي أنهكت الجميع، وهي تغذّي في الوقت نفسه التيارات الداعية للعنف، وترفدها بأسباب النموّ وبالعناصر الجديدة.

 

كما يُعدّ الرجل فرصة لنزول الإخوان المسلمين أيضا عن شجرة مواجهة الدولة/الانقلاب، التي لا يبدو أنّها تؤدّي بهم إلا إلى مزيد من الموت والسجن والتنكيل، بلا أيّ مقابل مرتقب، سيّما في ظلال دعوات كثيرة، لقيت تجاوبا ورضى لا بأس به في قواعد الإخوان، تدعو إلى المصالحة مع السلطة والإقرار بالهزيمة، مقابل إطلاق المساجين وإنقاذ رقاب المحكومين، فإذا كانت المصالحة مع السفاح نفسه مطروحة وقابلة للأخذ والرّد، فإنّ المصالحة مع غيره من رموز النظام القديم تبدو أكثر منطقيّة وسهولة.

 

لا شكّ أنّ اختيار الإخوان للّعب على صراع السيسي/عنان فيه من المحاذير الأخلاقية ما فيه، لكنّ أسبابا غير أخلاقية أيضا قد تدعو قيادة الإخوان بالخارج، إلى عدم المضيّ في هذه الطريق، ولا في أيّ طريق غير المواجهة الصفرية، التي تمنح كثيرين للأسف، مواقعهم ومكاسبهم واستمراريّتهم كقيادة وحيدة متحكمة بالجماعة وخياراتها ومواردها، ولعلّهم يفضّلون أن يحتسبوا قيادتهم المسجونة في جناب الله.

 

لستُ من أنصار التفاؤل في السياسة، خاصة ما يتعلّق بالمنطقة العربية في السنوات الأخيرة، ولا أظنّ الطريق أمام عنان ممهّدة، بل قد تفاجئنا الأيام/الساعات القليلة المقبلة بتطوّرات كبيرة على شاكلة ما حصل مع شفيق، وثمة أسباب كثيرة تدعمُ مثل هذا السيناريو، أهمّها: أن السيسي تكلّف كثيرا في منصبه هذا، لا سيّما الدم الذي سفكه، ومثله يخشى إن خرجت الأمور عن يده، أن يدفع ثمن ذلك ولو بعد حين، ومنها العوامل الدوليّة، فرغم علاقة عنان الجيّدة بأمريكا -كان هناك إبّان ثورة يناير-فإنّ السيسي يُعتبرُ فرصةً ذهبيّة للأمريكان والصهاينة، قد لا يرغبون في المغامرة بتغييرها، كما أنّ رئيسًا أتى بانقلاب صريح، يحكم مُثقلًا برصيدٍ داخليّ كبير من المعارك والخصومات والمذابح المروعة، أفضلُ وأيسرُ من حيثُ التحكّم به، وأحوجُ دومًا إلى الإسناد الخارجيّ، فلا حاجة لتبديله.

 

هناك إشارات تنأى بعنان عن مصير شفيق، مثل خطابه القويّ والواثق من داخل مصر، ولجهاز القضاء المصريّ الذي أثبت قدرته على التقلّب والتلوّن واللعب السياسيّ
هناك إشارات تنأى بعنان عن مصير شفيق، مثل خطابه القويّ والواثق من داخل مصر، ولجهاز القضاء المصريّ الذي أثبت قدرته على التقلّب والتلوّن واللعب السياسيّ
 

كذلك فإنّ السيسيّ أثبت رُخصا يصعب أن يُجارى فيه أمام قوى الإقليم، خاصّة في سعيه المذلّ لحيازة كلّ حبة رزّ خليجية، وقد بذل أرض مصر مقابل بعض ذلك الرّز، وقد كان لسامي عنان موقف قاس من هذه القضية حين اعتبر مصريّة من فرّطوا في تيران وصنافير "مشكوكا فيها"، على حدّ تعبيره، وبالتالي فقد يكون الإقليم منحازا إلى السيسي بدرجةٍ كبيرة، وفي تسليم الإمارات المفاجئ لشفيق دلالة مهمّة. كلّ هذه العوامل المقروءة تجعلُ الاحتمالات كلّها مفتوحة، وأجزمُ أنّ ثمة عوامل خفيّة، تزيدُ الأمر غموضا، قد تفاجئنا بسيناريوهات بعيدة عن مخيلتنا، خصوصا وضع قيادة الجيش، ومستوى سيطرة السيسي عليها.

 

بالمقابل، هناك إشارات تنأى بعنان عن مصير شفيق، مثل خطابه القويّ والواثق من داخل مصر، ولجهاز القضاء المصريّ الذي أثبت قدرته على التقلب والتلون واللعب السياسي، وكذلك دعوته إلى إعادة التوازن إلى علاقة الجيش بالسياسة والحكم، ومغازلته الصريحة للتيار المدنيّ، هذه المؤشرات كلّها تدل على أن وراء الرجل تنسيقا ذا مستوى عال، مكنه من هذا النوع من الخطاب.

 

لا آمال كبيرة تُعقد على عنان، بسبب خلفيته العسكرية أوّلا، ثمّ بسبب غموض الوضع وتعقيده ثانيا، لكنّه إذا استطاع أن يصل إلى مواجهة مباشرة مع السيسي في جولة إعادة، فسيكون فُرصة كبيرة للجميع، إذا أحسنوا اللعب والأداء، والله أعلم، وهو من وراء القصد.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.