شعار قسم مدونات

قـِــِدْر الثورة

مدونات - احتجاجات إيران

لا أدري كيف ينام الزعماء ولا يضعون كتاب "طبائع الاستبداد" تحت رؤوسهم كل ليلة.. لا أرجومنهم أن يصيروا مثقفين، ولا أن يصلحوا حكمهم ويقيموا عدلهم وينهلوا مما رآه الكواكبي قبل مائة وعشرين سنة.. أبداً، بل أريدهم أن يقتنوا نسخة من هذا الكتاب فقط ليروا تاريخ انتهاء صلاحيتهم ويتأكدوا من أن العدّ التنازلي لزوالهم ما زال مستمراً حسب توقيت الظلم والجوع.. فالأنظمة عندما تنتهي صلاحيتها تتسممّ إداراتها وقراراتها فتتقيؤها الشعوب..

 

يُفترَض أن تكون الثورات دروس تقوية مجانية  للأنظمة المتفرّجة، تستفيد من أخطاء الآخرين، تدرس أسباب هيجان الشعوب الشقيقة والصديقة، وحتى العدّوة منها، فتتجنّبها، لكن مع كل اندلاع ثورة يثبت أن الزعماء الديكتاتوريين يعانون من صعوبات تعلّم، لن يطوّر من سلوكهم كل خبراء التربية الخاصة.. ثورة في تونس، مصر تتفرّج ولا تتعلّم، ثورة في مصر ليبيا تتفرّج ولا تتعلّم، ثورة في ليبيا اليمن يتفرّج ولا يتعلّم، ثورة في اليمن سوريا تتفرّج ولا تتعلّم، ثورة في سوريا العالم يتفرّج ولا يتعلّم، ثورة في إيران المحيط العربي يتفرّج ولا يتعلّم.. كل ما سبق "نماذج" حية ومشاهد ختامية لمن حكم بالظلم والتجويع وسمح لتمدد الفساد، معتقداً أن أرجل الكرسي أكبر بكثير من أذرُع التغيير، وأن "النطفة" التي أتى منها أقدم من التاريخ برمّته.. فتكون نهايته واحدة من اثنتين: إما أن يقطع رأسه بسيفه أو ينتزع الصولجان الذي بيده فيوضع في مكان ثأري مخجل في جسده..

 

البركان النائم  قد يثور للحظات ويحرق الدنيا، وقد يقذف بعض الحمم ليقول إنه يغلي ومستعد للانفجار في لحظة هيجان الصخر المذاب، فلا تقربوه ولا تشعلوا مناقل شوائكم قرب فوهته المحترقة. ففي علم الجغرافيا البراكين لا تروّض مهما نبت على أطرافها عشب وشجيرات. وفي علم السياسة الشعوب لا تروّض أيضاَ مهما بنى عنكبوت الصمت على حناجرها خيوط الخوف.. الشعوب براكين لا تهدأ، عندما تذوب صخور الصبر في قلوبها تهدر حمما لا تنطفئ، تجرف كل شيء، وتهرول بصهارتها نحو المجهول، المهم أن تتخلص من كبت النار والرماد الذي تحتفظ به منذ مئات السنين..

 

الزعماء لا يعرفون أن قـــِدرَ الثورة لا يغلي إلا إذا اشتعل حطب الغلاء والفساد والظلم والجوع والبطالة تحته، إذا اجتمعت نضجت الحرية.. تهجّوا شهادات ميلاد ثورات العالم جميعها
الزعماء لا يعرفون أن قـــِدرَ الثورة لا يغلي إلا إذا اشتعل حطب الغلاء والفساد والظلم والجوع والبطالة تحته، إذا اجتمعت نضجت الحرية.. تهجّوا شهادات ميلاد ثورات العالم جميعها
  

المظاهرة بنتُ الثورة، وهي غيمة الحرية الأولى، شاهدوا ما جرى في إيران. لا يهمّني إن استمرّت الاحتجاجات أو توقّفت، ما يهمّني أن الشعوب لا تستطيع أن تصمت إلى الأبد، إذا عادت إلى بيوتها اليوم فلن تعود غدا أبدا، هي قذفت بعض الحمم لتقول أنا أغلي وجاهزة للانفجار في أي لحظة، ابعدوا مناقل شوائكم السياسية وترف "العمائم" التوسعية عني، كافر من يُجوّع شعبه ليطعم بندقية غيره!..

 

وعليه، من يظن أن الشعوب تموت مخطئ، الشعوب تغمض عيونها لتستيقظ الأنظمة من غفوتها وغفلتها، تحاول أن تغض البصر عن كل عورات الحكم الفاضحة، تصبر على الاستعباد والتهميش والتطنيش، تصبر على تقاسم كعك السلطة ورمي فتات الوظائف الدنيا لأبناء الوطن من الدرجة العاشرة.. تقبل على مضض مبررات الجوع والغلاء وتعرف أن أنشودة "مصلحة الوطن" أكذوبة يسوقها المتناوبون على المناصب  لتزيد أرصدتهم قليلا وتدفع فواتير ترف أسيادهم، من لوحات ويخوت وطائرات خاصة وقصور مولودة على  جبال خلابة في بقاع الأرض شاهدتها أم المؤمنين أو أمير المؤمنين نفسه، فأمر بشرائها من بيت مال الجائعين.. الشعوب تعرف كل هذا وتصبر لأنها لا تحب اللون الحمر حتى في رايات أوطانها..

 

لكنْ هم لا يتعلّمون الدروس بسهولة، لا يتعلّمونها إلا عندما تقذف كرة النار في أحضانهم، وبعد سماع هدير الهتافات في الشوارع.. تتهم الأصابع الخارجية والأجندات الدولية والمندسين العملاء بتحريك المحتجّين.. وهم لو وضعوا المرآة أمام وجوههم لعرفوا أنهم هم لا سواهم الأصابع الخارجية وحملة الأجندات الدولية وورثة المندسين والعملاء..

 

هم لا يعرفون أن قـــِدرَ الثورة لا تغلي إلا إذا اشتعل حطب الغلاء والفساد والظلم والجوع والبطالة تحتها، إذا اجتمعت نضجت الحرية.. تهجّوا شهادات ميلاد ثورات العالم جميعها من فرنسا إلى إيران ستجدون الأسماء واحدة والأسباب واحدة:

اسم الأب: الظلم

 اسم الأم: البطالة

اسم الجد: الغلاء

اسم العائلة: الفساد

الجنس: ثورة..

 تاريخ الميلاد: في أي لحظة..

 

الشعوب هي من تكتب تاريخ ميلادها بنفسها..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.