شعار قسم مدونات

خيار المشاركة عند إخوان بنكيران.. المسار والتأصيل

blogs - morocco
التحق عبد الإله بنكيران بصفوف الشبيبة الإسلامية سنة 1976، وله من العمر 22 سنة، وفي أبريل سنة 1981 سيؤسس وهو لم يجاوز خمسة وعشرين سنة، مع ثلة من الشباب المتقاربين في السن، هم عبد الله بها ومحمد يتيم وسعد الدين العثماني والامين بوخبزة وعز الدين توفيق، "جمعية الجماعة الإسلامية"، كرد فعل على مواقف مطيع من النظام، معلنا القطيعة مع التوجه الثوري والسري الذي كانت تتبناه الشبيبة، وهكذا قاد شباب في منتصف عشرينيات عمرهم، حملة مراجعات فكرية وفقهية ودشنوا سلسلة تأصيلات، لتوجههم الجديد، تحت ضغط الواقع وقهر السياسة ورعب الملاحقات الأمنية، التي كانت أدت أواخر سنة 1980 ، لملاحقات وتحقيقات واعتقالات، لكنها حقيقة لم تكن قاسية، حيث تراوحت الأحكام بين ثلاثة أشهر وشهرين وبضعة أيام والبراءة، وكان لبنكيران نصيب من السجن لم يتجاوز ثلاثة أشهر، ليعلن وهو في الاعتقال البراءة من مطيع ومنهجه وتوجهه، ثم ليؤسس بعدها مباشرة توجهه الجديد.

بعد سلسلة من الاندماجات والاتفاقات والتقاربات بين مجموعة وأخرى، تم تتويج كل تلك الجهود بجماعة واحدة، مشكلة من كل تلك الروافد، هي حركة "التوحيد والإصلاح".

وتقدمت "الجماعة الإسلامية" بملف للسلطات قصد الحصول على رخصة واعتراف، ورغم إصرارها على إظهار البراءة والمخالفة والمعارضة لمنهج الشبيبة إلا أنها لم تحظ بشيء، وقد راسل عبد الإله بنكيران الملك مرتين سنة 1985، وسنة 1987، وراسل وزير الداخلية سنة 1986، من أجل الحصول على رخصة العمل، ونقرأ في رسالة بنكيران لوزير الداخلية النقط التالية:

-إننا جمعية سلمية نرفض العنف والإرهاب.
-إننا لانعارض نظام الملكية الدستورية بما يقوم عليه من مشروعية دينية.
-إننا نعتقد أن مطيع وأمثاله لايمكن ان يجدوا موطئ قدم، إذا سمح للدعاة المخلصين الذين يريدون إرضاء ربهم بخدمة أمتهم، لايبتغون بذلك مالا ولا جاها.

يمكن أن نقول أن بداية القطيعة التنظيمية والفكرية مع المرحلة السابقة، عند إخوان بنكيران، كانت بالتوجه نحو جماعية التسيير واتخاذ القرارات بالشورى والتصويت، وتقلد المسؤولية بالانتخاب، والتحول نحو العلنية والتخلي عن كل أشكال السرية والعنف والاصطدام، والاعتراف بالنظام السياسي ومؤسسات الدولة، والاشتغال في ظل القانون وتبني نهج الحوار والخيار السلمي، والتركيز على العمل الثقافي والإعلامي والاجتماعي.

ثم بدأ في مرحلة لاحقة، الاشتغال على تغيير كثير من المفاهيم والقيم، ودلالات المصطلحات، في أوساط الحركة الإسلامية، وكانت أغلبها تدور حول الشورى والديمقراطية، في محاولة لرأب الصدع وتقريب الهوة بين المفهومين، والتأسيس للديمقراطية في الوعي الثقافي والبناء التربوي والنفسي لأبناء الحركة الإسلامية.

كان ذلك من خلال مقالات في سلسلة كتاب الحوار ومجلة الفرقان، وهي المقالات التي كانت تؤصل فكريا للمفاهيم البديلة، مستعينة بكتابات رواد الحركة الإسلامية وعلى رأسها فهد النفيسي وحسن الترابي وغيرهم.

لكن يبقى سعد الدين العثماني، هو رائد التأصيل لخيار المشاركة المغربية بدون منازع، وحين نقول التأصيل فليس بمعناه الشرعي العلمي الصارم والدقيق، بل هو دراسة تنطلق من الرغبة في تحقيق مقاصد فضفاضة واعتبار السياسة مجالا لجلب المصلحة ودفع المفسدة، فهو تأصيل ينطلق من المقاصد والمصالح والمفاسد بتأصيلات عقلانية متأثرة بالواقع. ومما كتب في هذا الباب: "في الفقه الدعوي مساهمة في التأصيل" و "فقه المشاركة السياسية عند ابن تيمية" كلاهما لسعد الدين العثماني، وهي كتابات أخذت فيها تجربة يوسف عليه السلام حيزا كبيرا، وكذا الاستعانة بما كتبه ابن تيمية عن تولي الولايات العامة وشروطها، بتوظيف ذكي.

في مرحلة أخرى انتقل إخوان بنكيران من التأصيلات والتبريرات، بقصد تغيير البنية الفكرية والنفسية لأبناء الحركة الإسلامية وتهييئهم لقبول خيار المشاركة، إلى المطالبة بالمشاركة وبحث صيغتها، كان ذلك سنة 1987.

صادف مطالبة "الجماعة الإسلامية" بزعامة بنكيران، بالمشاركة في العمل السياسي، سعيها للتوحد مع جمعيات وتنظيمات إسلامية صغيرة موزعة بين عدد من المدن سنة 1988. هي: "الجمعية الإسلامية" بالقصر الكبير، "جماعة الدعوة الإسلامية" بفاس، "جمعية الشروق" بالرباط، جماعة "التبين" مجموعة "التوحيد" مجموعة "الاختيار الإسلامي". وعدد من الرموز من "جماعة أهل السنة" بالبيضاء، وعدد من المجموعات والأفراد الذين انشقوا أو جمدوا أنشطتهم داخل الشبيبة الإسلامية.

لقد أصبحت المشاركة في الانتخابات هدفا في ذاته عند إخوان بنكيران منذ سنة 1987 ، لدرجة أنهم رفعوا شعار: "لأن يزور علينا خير من أن لا نشارك".

وبعد سلسلة من الاندماجات والاتفاقات والتقاربات بين مجموعة وأخرى، تم تتويج كل تلك الجهود بجماعة واحدة، مشكلة من كل تلك الروافد، هي حركة "التوحيد والإصلاح"، والتي أغنت مسار المراجعات باتجاه ترسيخ خيار المشاركة من خلال نظريات واجتهادات، مبثوثة في كتب قيادات تلك التنظيمات ككتاب "نظرية المقاصد" و"التقريب والتغليب" الدكتور أحمد الريسوني، "العمل الإسلامي والاختيار الحضاري" لمحمد يتيم، "سبل الإصلاح" لعبد الله بها، "الحركة الإسلامية وإشكالية المنهج" لعبد الإله بنكيران، وهذه الكتب وغيرها التي ألفت على فترات، وغيرها من التراث غير المكتوب، كلها تروم ترسيخ التوجه الجديد لإخوان بنكيران.

لقد أصبحت المشاركة في الانتخابات هدفا في ذاته عند إخوان بنكيران منذ سنة 1987 ، لدرجة أنهم رفعوا شعار: "لأن يزور علينا خير من أن لانشارك". وهكذا طرح الفكرة عبد الإله بنكيران ودافع عنها، ثم وضع ورقتها السياسية سعد الدين العثماني وورقتها الثقافية محمد يتيم، وخضعت الفكرة لنقاش موسع في كل مناطق المغرب، وتم إنضاجها والخروج منها بمخطط واضح مبنى على ثلاث خيارات:
1- تأسيس حزب.
2- التحالف مع حزب قائم إذا تعذر التأسيس.
3- التحول إلى جماعة ضاغطة إذا تعذر التحالف.

وبالتزامن مع تحول "الجماعة الإسلامية" إلى " حركة الإصلاح والتجديد المغربية"، المعروفة اختصارا ب: "حاتم" أسس إخوان بنكيران حزب "التجديد الوطني" سنة 1992، وامتنعت السلطات عن منحه رخصة الاشتغال، ثم كانت مبادرة تأسيس حزب "الوحدة والتنمية"، الذي لقي نفس مصير سابقه، فتم الاتصال بحزب الاستقلال، للاشتغال من تحت مظلته، فلم يتم التوافق على الصيغة، وأيضا تم الاتصال بحزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وعقدت لقاءات مع عبد الله إبراهيم، لم يصل فيها إسلاميو الإصلاح والتجديد لأي نتيجة، وبقيت محاولات البحث عن إطار سياسي مستمرة، إلى أن اتصل إخوان بنكيران بحزب الدكتور عبد الكريم الخطيب سنة 1996، فكان ما هو معلوم من احتضانهم، ليتحول حزب الخطيب من حزب ميت إلى حزب شاب، تحت مسمى جديد هو "العدالة والتنمية".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.