شعار قسم مدونات

أهمية الرواية

blogs-الرواية

الرواية دائما ما تقع وتسقط بين العبث في الفكرة والكلام الذي لا معنى له في الثرثرة والغرائز غير المصاغة جيدا، الروايات السيئة التي تكون تجارية وهدفها بيع المشاعر للقارئ، هي دراسة لطبيعة الإنسان البدائي وجمهوره، لأن الروايات التجارية والتي تتركز على ما يريده الجمهور من مشاعر، توضح طبيعة الأفكار الأولية دون تنقيح وتصحيح أو مناقشة من قبل الكاتب، وذات منظور قصير.
 

ولكن، ما الفائدة المرجوة من الرواية في المسار الصحيح؟ الرواية هي صرخة عالية ومدوية وضخمة، صرخة تسمع الكون صوتها، إنها تصرخ بأن الإنسان موجود على هذه الأرض وهو يعاني من العدم، يعاني من فكرة الموت، وأيضا يعاني أنه موجود على هذه الأرض ولا يعرف ما الذي يفعله في حياته، وصرخة ضد تفاهة الحياة ومللها وضد الظلام الذي يأكل كل جميل في حياته، وهشاشة كل المعاني المعطاء والتي تحاول أن تفسر الحياة.
 

هل كانت تكتب جاين أوستن بتلك الرتابة إلا لعلمها بأن الحياة مملة وأن الزوجات لا يستحققن الاهتمام، بينما نجد أن ليسينغ كانت تتأمل الموت والصراع الإنساني البائس للحفاظ على غرائزه القذرة بينما هو يحتضر في رائعتها "العشب يغني"، رفض تشالز دودجسون بأن يصرح باسمه الحقيقي ليختبأ من الموت ويُظهر بأن الحياة جميلة وأنها رحلة مغامرة لا تنفع الجادين ويخبرك بأن لا فائدة من جلب الجنة للأرض، إنما عليك الذهاب إليها وهو ما زال مختبئا من الموت.
 

عندما شعر هذا الكائن البشري بملل وجد أن الله خلق له حواء واستطاعت حواء تفسير ما يريده آدم بسهولة، وعندها فهم الإنسان بأن الملل يستطيع أن يذهب مع خلق عوالم أخرى

بينما ترفض هايبر لي الصراخ وهي تستريح على شرفة منزلها وتحكي لك قصة ما يجري في الحياة وتموت بعد روايتها الوحيدة، هناك كولن ولسن الذي اتخذ منحنى آخر متطرفا بأن يرفض الحياة، ولكن لا يجد مشكلة في سماع الصراخ وتفسيره ويقول بأن من الجيد عيش الحياة دون التمعن بها وينصحك إن كنت تريد رؤية أو سماع صرخة أفضل انظر إليها من بعيد، كلما زاد البعد في النظرة كلما فهمت أكثر.
 

ويسأل شكسبير: هل أنا حي؟ هل أنا موجود؟ هل الوجود يلزمه الإدراك؟ من أكون؟ ومن ثم يقتل الجميع ليكتشف نوع صراخهم وهم يموتون أمامه، ديكنز لم يرد أن يصرخ كما يفعل الآخرين كان يريد أن يضحك بينما يقص عليك البشرية ويراك أنت تصرخ وكذلك فعل إبراهيم نصر الله أرد سماع الضحك بين الموت بين الوجود الذي يأكله العدم.
 

أما فرنسوا ساغان تكون أنانية كثيرا فهي تريد صراخها لنفسها، لا تجد فائدة من معرفة أحدهم سبب الصراخ إنما تريد أن تجربه بنفسها في دائرة مغلقة بينها وبين ذاتها لتتعرف على صدق الحياة، أما ستيفن شوبوسكي لا يعرف الصراخ أيضا الكاتب نفسه هاديء للغاية، الذي يفعله هو أن يئن بصوت يتسلل إلى قلبك ويحطمه فتصرخ أنت باكيا، أما بيتي فتحكي لك القصة لتقول صارخة "نعم أنا أعرف هذا رأيته من قبل كيف لي لم ألحظ " فمن يمر بجانب أشجار بروكلين لن يفهم الأمور من الوهلة الأولى.

وأراد مات هيج سماع صراخ فضائي حينما يرى الإنسان وكيف يعيش هذا الكائن حياته من منظور مختلف، تملك بثينة العيسى أسلوب تتميز به في الصراخ فهي تصرخ بنغمات متزنة موسيقية مرتبة مثل الأوبرا إيمانا منها أن العالم يسير وفق سيفونية معلومة مسبقا، وهي تحاول أن تكون أفضل من يعرض هذه السفونية أنت لن تمل من معزوفة سوناتا القمر مهما سمعتها.

ولدى نتشيه أسلوب متعب فهو يأخذك للجبال في رحلة لا بد منها ويستنزف عقلك في أسئلة لقد سبق وجاوب عليها قبل الرحلة، ولكن الجميل بأن هذه الرحلة الخاصة لا بد منها ولا بد بأن ترجع خالي الوفاض لا تملك أي جواب، وتبقى رضوى عاشور تسأل مثل متحري أو ضابط استخبارات، تسأل كل الأسئلة التي تعرفها والتي لا تعرفها، بعدها تقرر الصراخ أو الاستمرار في الأسئلة.
 

إذا هي كلها محاولات طرح فلسفي ووجودي لكشف هذا الإنسان، فعندما شعر هذا الكائن البشري الغريب بملل وجد أن الله خلق له حواء واستطاعت حواء تفسير ما يريده آدم بسهولة، وعندها فهم الإنسان بأن الملل يستطيع أن يذهب مع خلق عوالم أخرى فقرر خلق عوالم جديدة تفسر حياته.
 

والهدف ليس محاولة معرفة كيفية الوصول لسرعة الضوء أو نهاية عملية حسابية أو معرفة كيف يعمل جهاز الطرد المركزي، الرواية بهذه الطبيعة هي اكتشاف بأن هذه الأشياء موجودة وهي صامتة لا تتكلم لا تخبرنا لما هي موجودة فيجد الكاتب نفسه أمام حقائق مثبتة فزيائيا دون أي كتابة خطية عن سبب وجودها،فيذهب مباشرة للصراخ وكما يقول كثير من الكتاب بأن الصراخ عادة لا بد منها في كل وقت، القارئ يحب الاستماع لمستويات مختلفة من الصراخ دون أن يمل حتى في أرتب أساليب الحياة.
 

هناك مشكلة كبيرة في فهم المجتمع لهذا الصراخ، إذا قصدنا بالصراخ هنا هو العمل الأدبي بصورة الرواية، قد لا يفهم المجتمع معنى الصراخ ويصف هذا الصراخ بالجنون هو وصاحبه وكثير ما يحصل حيث يعتقد المجتمع بأن الأدب الروائي يجب أن يكون محدود ضمن ضوابط أخلاقية أو فكرية وهناك أيضا ضوابط مرتبطة بالوعي والإدراك، أما الأول فإعتقادي حينما يكون الأمر متعلق بالكتابة فلا يجب أن يكون هناك ضوابط في حرية التعبير والكتابة وعليها تكسير كل مقدسات الإنسان مهما كانت فالهدف من الكسر هو معرفة الحقيقة وإن كان ما نؤمن به تمام الإيمان صائب لن ينكسر، الزائف وحده الذي يُكسر.
 

على الكاتب أن يفهم أن صراخه الذي يعمل من أجله هو من أجل فكرة سامية،  أنت تكتب لفكرة الرواية التي من عصور يحارب الناس من أجلها ضد مجتمعاتهم، وليس ليحصلوا على التقدير فقط

أما عن الإدراك والوعي هي المشكلة التي تجعل الفكرة الناصعة والجديدة فكرة تافهة وجنونية، الكاتب مرتبط بمستوى الوعي الذي يطرحه في مجتمع معين، فلا فائدة مرجوة من كتابة كتاب بالغ الروعة والجمال ولا يستطيع المجتمع ان يفهمه ويفهم الفكرة منه مهما كانت الفكرة.
 

سوف تتعجب حينما تذكر سلوك عنصري وفاشي في مجتمع ما، وترى أن الكثير يدافعون عن حقهم في ممارسة هذه العنصرية والفاشية، ولأن العرب حساسين سوف أذكر مثال غربي البيض في أمريكا كانوا ضد الحقوق المدنية للبشرة الملونة، تكساس قاتلت حتى الرمق الأخير لتحافظ على استعباد الهنود، والشعب في إيطاليا دافعوا عن قاتليهم وسارقيهم ضد الحرية، ولن تستطيع إقناع هذا المجتمع بأن سلوكه خاطئ وهذا ببساطة لأن مستوى الوعي ضعيف.
 

وهل يعني هذا أن يكتب الكاتب كتابه ضمن الوعي والإدراك الحالي؟ الجواب في كل العصور هو لا، على الكاتب أن يفهم أن صراخه الذي يعمل من أجله هو من أجل فكرة سامية وليس من أجله، أنت تكتب لفكرة الرواية التي من عصور يحارب الناس من أجلها ضد مجتمعاتهم، وليس ليحصلوا على التقدير فقط، لا ضرر من بعض التقدير لكن ليس هذا هو الهدف.

وعليك أن تراهن بأن المجتمع سوف يبتلع ولو على مضض الفكرة إن كانت صائبة، فكما يعرف التاريخ الأدبي بأن هناك كتب لم تحصل على التقدير التي تستحقه إلا بعد عصور وكم من كاتب في العصر الفكتوري كان ينشر كتابه بأسماء مستعارة خشية الفضيحة، ونعم يجب أن تقاتل لكي تحافظ على حقك في الصراخ الذي ينولد معك.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.