شعار قسم مدونات

حبيبي يا الله

blogs - sunset
عرفتك يا الله، منذ ثماني سنوات، وأنا التي كنت أظن أنني أعرفك منذ ولادتي، قبل ذلك كنت أصلي لأن أمي طلبت مني وعلمتني هذا، وأصوم لأن أمي كانت تكافئني لأني أفعل ذلك. لم أعرف أنني كنت أدعوك لأن معلمتي في المدرسة عندما وقعت عن الدرج قالت لي ادعي ربك أن لا يخبر أحد أمك أنك كنت تركضين، ولم أعرف أنك موجود إلا لأنني أسمع اسمك من الجميع. هذا كل ما عرفته عنك يا الله.

 

مازلت أستشعر وجودك بكل شيء صغير خلقته على هذه الأرض، وأرى الجمال في أكثر الأشياء بساطة؛ لأنها منك أنت يا الله.

إلى أن كانت تلك اللحظة التي سافرت فيها خارجا، لوحدي كنت.. تفاصيل كثيرة حدثت معي.. من بداية رحلة الطيران التي أخذت قرابة يوم كامل، إلى تلك اللحظة التي وجدت نفسي في السيارة مع ثلاث فتيات من موسكو، ذاهبة للتعرف إلى مكان تدريبي. شعرت برهبة وخوف، فتاة في العشرين من عمرها تسافر وحدها لأول مرة، ووحدة قاتلة لم أشعر بمثلها من قبل، لا أدري في تلك اللحظة كيف تذكرت كتاب الأدعية الذي أعطتني إياه أمي قبل سفري، أخرجته وبدأت بالقراءة، لكن هذه المرة بطريقة مختلفة، قرأته وأنا أتأمل كل حرف فيه، أول شيء قرأته كان "بِسْم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم". شعرت في تلك اللحظة أنني أقرأ هذا وأنا بكامل مشاعري، ربما لأنني فعلا أردت الدعاء، وأن يكون الله معي في تلك الشهور الأربعة التي سأغيبها.
 

أخرجت سجادة الصلاة عندما عدت إلى البيت، ومنذ تلك اللحظة شعرت أن الله قريب مني، وبدأت بالتكلم معه كل يوم وبصوت عال وأطلب منه أشياء كثيرة، أن يسعدني ويحميني ويبعد عني أي أذى، ولا أعرف ذلك الحظ الذي رافقني في كل تلك الرحلة، كل يوم مفاجآت جميلة وتجارب جديدة ممتعة، لا أدري إلى الآن كيف سخر الله لي تلك المرأة الأنيقة الجميلة التي كانت سفيرة عربية في أميركا، لتكن لي في مقام الأم في الغربة، وزوجها في مقام الأب، وأولادها إخوتي. أربعة أشهر عشتها في أميركا، تعرفت فيها إلى الله، رأيت الله في الوجوه الضاحكة لي، في تلك الجارة التي تجاوزت السبعين من عمرها وكانت تصحو كل يوم لتقلني إلى العمل بدلا من الذهاب مشيا في عز الصيف والرطوبة. تتكلم معي كل يوم كأنها تعرفني منذ الأزل، في تلك الرفيقة الجميلة التي ما زالت من أعز وأقرب الناس إلى قلبي.
 

في كل مطعم جربناه مع صديقاتي، وكل محل اكتشفناه، وفي كل صديقة تعرفت إليها، في محبتي لكل من حولي ومحبتهم لي. كانت رحلة جميلة تكاد تخلو من المنغصات. عرفت الله بعيون تلك الشعوب الطيبة الرائعة، الذين ساعدوني لأكون أفضل، تلك الشعوب التي نتربى في مجتمعاتنا على أنهم سيؤون وهم أقرب إلى الإنسانية من كثير منا. عرفت الله في كل إنسان أراه يسلم علي ويبتسم، نعم هناك نستطيع أن نسلم على من في الشارع ولن يتهمنا أحد بالجنون. عرفتك يا الله بعيون مديرتي في العمل التي كانت تشجعني في كل مرة أتعب فيها فتقول لي:

"Be strong, life is a challenge."

أنا الآن أتقبل كل الابتلاءات بقلب رحب، وروح ضاحكة؛ لأني أعرف أنها منك يا الله، امتحانات قاسية جعلت إيماني بك أكبر وأعمق.

عندما كنت أحتاج شيئا، أخرج ذلك الكتيب الصغير الذي على الأغلب أن أمي ابتاعته من باعة الإشارات الضوئية في بلدتي إربد، وأبدأ بترديد أدعية منه، لم يكن الكتيب هو نقطة التحول في حياتي، بل كانت الحاجة لأن أشعر أن أحدا معي، يحميني، ويحرسني، هي من عرفتني إلى قوتك العظيمة وكرمك الأعظم.  وكنت أنت معي يا الله، وما زلت في كل لحظة أعمل كل شيء ساعية لرضاك أنت، أنت فقط. ومازلت أستشعر وجودك كل لحظة، أنا لا أمسك الكتيب الآن، يكفيني النظر والدعاء إليك في أي وقت أشاء وأقول لك ما أشاء.. أنا لا أدعوك فقط عند حاجتي إليك، أنا الآن أتكلم معك طوال الوقت سعيدة كنت أم حزينة. وأراك الآن بعيون أمي وأبي الطيبين، بعيون عمتي الحنون، بقلب زوجي الرائع، بلمسات ابنتي الملائكية، بحب أصدقائي، بتفاؤل عامل النظافة، بصوت العصافير، وضحكات كل الأطفال، وبكل شيء صغير خلقته على هذه الأرض. أنا أرى الجمال في أكثر الأشياء بساطة؛ لأنها منك أنت يارب.
 

أصبح إيماني أكبر، وأنا الآن أتقبل كل الابتلاءات بقلب رحب، وروح ضاحكة؛ لأني أعرف أنها منك يا الله، امتحانات قاسية جعلت إيماني بك أكبر وأعمق. أنا الآن أعرف كم أحبك يارب، ليس لأن حياتي خالية من التنغيص، بل لأني عرفت أن في غمرة كل تلك الابتلاءات، أنت تقف هنا بجانبي، تبشرني أنه "لعله خير، والمؤمنون أشد بلوى، وصبر جميل والله المستعان.." وإن غدا أجمل بكثير، وإن كانت تلك الابتلاءات هي من تقربني إليك فيا أهلًا بها.. حبيبي يا الله..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.