شعار قسم مدونات

أزمة المثقفين العرب

blogs - books
كشفت الثورات العربية حجم الانهيار الذي يعيشه العالم على جميع المستويات، السياسية والدينية والثقافية، لكن إحدى أكثر النتائج المذهلة التي ظهرت هي "أزمة المثقفين" أو ما يصطلح البعض على تسميتهم بـ "النخبة"، ففي الوقت الذي من الطبيعي أن تعاني الأحزاب والمؤسسات وحتى الأفراد من أزمات متعددة نتيجة التجريف الثقافي والديني والسياسي الذي قادته الأنظمة العربية التي سقطت، فإنه من غير الطبيعي أن تعاني تلك النخبة من ذات الأزمات والمشاكل.

قبل الثورات كان الجميع ينظر لهذه "النخبة" سواء كانت ثقافية أو دينية أو سياسية، بأنها تشكل مخرجاً لأزماتنا، بالطبع لا تملك حلولاً سحرية، ولكنها تمتلك وعياً ربما يكون كفيلاً بأن تقود حالة معينة أو تشكل حلاً ولو بسيطاً لهذه الأزمات، ولكن على نحو مغاير تماماً، كانت هذه النخبة تشارك في تعزيز الأزمات والمشاكل، وتشارك في التدمير، مثلها مثل بقية أطياف المجتمع.

تسيد من يمكن وصفهم بـ "مثقفي السلطة" الساحة الإعلامية والسياسية، علاوة على ثلة من الباحثين عن الأهداف الشخصية، الذين تنحصر أهدافهم بالمنافع الشخصية.

قد يكون أحد الأسباب المنطقية لذلك، أن نفس الأنظمة التي قادت بلدانها للانهيار، هي من أنتجت هذه النخبة المثقفة، ولذلك فهي نخبة غير مستقلة تماماً كما قد يتصور البعض، بل إن بعضها يقع رهناً للأحزاب والأنظمة ويصب في خدمتها سواء كان ذلك عن علم أو عن جهل، ولذلك رأينا مؤسسات ونخب ثقافية ودينية تشارك في انقلابات وتدعم الفوضى، بدلاً من أن نرى نخباً واعية تقي الأمة شرور الأزمات.

فجميع الأنظمة السياسية في العالم العربي، قامت خلال الفترة الماضية، بإعادة تشكيل المؤسسات الدينية والثقافية والعلمية والتربوية وحتى الحزبية، وقامت بدرجة غير اعتيادية بانتقاء هذه النخب بما يتوافق مع مصالحها السياسية، والنتيجة كما يصوغها ولفريد أوين، أن "الكُتَاب يدفعون كل الناس، ويصرخون بالولاء للدولة"، ومن هنا جاء وصف إدوارد سعيد للمثقف بأنه منفي، وهامشي،وهاو، ومؤلف لغة تحاول أن تقول الحقيقة للسلطة.

ولكن حتى انتقاء الأنظمة لهذه النخبة، ليس هو السبب الوحيد في أزمتها، فيمكن لك أن تجد فئة يمكن وصفها بأنها "غير منتمية" لأي طرف سياسي أو حزبي، وهذه النخبة تحديداً تتجلى مشكلتها بالانعزال، وعدم القدرة على صياغة أي شكل يجعلها تلعب دوراً إيجابياً، ولذلك فهي تكتفي بلعب الدور الشاهد على الأمور المريعة، ولهذا فإن النخبة العربية انقسمت بين دورين، دور المثقف المشارك في التدمير، ودور المثقف الشاهد على هذا التدمير.

وبين هذين النوعين، ضاعت روح المعارضة لدى المثقفين، وساد دور التكيف مع الأزمات والمصائب، وغاب ذاك المثقف الثائر على الوضع الاجتماعي القائم والجائر، ولهذا تسيد من يمكن وصفهم بـ "مثقفي السلطة" الساحة الإعلامية والسياسية، علاوة على ثلة من الباحثين عن الأهداف الشخصية، الذين تنحصر أهدافهم بالمنافع الشخصية والتقدم المادي على حساب ملاحقة الأهداف العلمية.

لا يمكن للإنسان أن يلعب دور المثقف من دون رسالة أو موقف، ودون أن يطرح أسئلة مربكة، ويواجه الجمود والتطرف الذي يسود بالمجتمع.

لقد تخلى هؤلاء المثقفون عن سلطتهم الأخلاقية لصالح "تنظيم العواطف الجمعية"، مثل الطائفية، وأفكار الجمهور العاطفية، والسلوك العدواني القمعي، والمصالح الطبقية. وقد أجادت الحكومات في العثور على أؤلئك المثقفين الذين يمكن أن يُستدعوا لا ليقودوا، بل ليعززوا سياسة الحكومة، ويطلقوا الدعاية ضد الأعداء، والتعابير اللطيفة، وحجب الحقيقة باسم "الوطن" و"الدولة"، وغيرها من التعابير المنمقة.

تقريباً لا يوجد ثورة في التاريخ الحديث بدون المثقفين، كما لا توجد حركة للثورة المضادة بدون المثقفين، فالمثقف هو أصل هذه الحركات الاجتماعية، ولكن في الحالة العربية تحديداً لم نجد أي مثقفين في الثورات، ولكننا وجدنا أغلبهم على الجانب الآخر من الثورات المضادة، فالمثقف في عالمنا العربي تحول إلى موظف أو صورة في وضع اجتماعي ما، يؤدي مهمة لصالح السلطات والأنظمة بدون رسالة أو قضية يناضل لأجلها.

فلا يمكن للإنسان أن يلعب دور المثقف من دون رسالة أو موقف، ودون أن يطرح أسئلة مربكة، ويواجه الجمود والتطرف الذي يسود بالمجتمع، ويمثل قضايا الناس ومشاكلهم التي نسيت وتم تجاهلها، فالأصل أنه ليس شخصاً يمكن احتواءه بسهولة من الأنظمة والأحزاب.

بطبيعة الحال ليست مهمة المثقف أن يرضي الجمهور و لا الأنظمة، ولا أن يكون مضاداً لها ومنفراً أو مربكاً، فهو ليس ممثلاً لحزب أو مرشحاً انتخابياً، ولن يكون بالطبع شخصاً مثالياً خالياً من الأهواء والعيوب والطموحات الشخصية، فهو ليس نبياً، ولكن هناك فارقاً بين المثقف الحقيقي وما نراه اليوم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.