شعار قسم مدونات

" البراندنج " في عصر ترامب!

blogs-ترامب

أولاً لنتفق مصطلح " براند " ليس هو العلامة التجارية كما يروج له خبراء وأساتذة التسويق في العالم العربي، وإلا لأصبح كل انسان علامة تجارية، فكل انسان له بصمة ورسمة وشكل ولون ورائحة وصوت وخط وشخصية وأسلوب تختلف عن أي شخص آخر، صناعته تسمى "براندنج ".

في عصر التقنية والوسائط الاجتماعية أصبح لزاماً على كل مؤسسة/ شخص لديه رسالة يقدمها للمجتمع أن يكون فريداً حتى يستطيع أن يبرز ويرسم صورة إيجابية في أذهان النّاس، فكان مصطلح "البراندنج" الشخصي "Personal Branding" لذلك نجد مشاهير استطاعوا البروز بهويات ورسائل ومختلفة سياسية، اجتماعية، اقتصادية الخ.

في كل مجال أصبح "البراندنج" هو عصب النجاح، السياحة "Destination Branding" الموظفون "Employee Branding" " الشركات "Companies Branding" الثقافة "Cultural Branding" وغيرهم كثير ولكن السياسة "Political Branding" هي ما أريد التطرق له.
 

ترامب رسم نفسه كعنصري، عدواني لكنه أيضاً صريح وصادق، فهو على طبيعته، ويتحدث كما لو أنه رجل مزارع وليس رجل دولة

يسعى القادة السياسيون اليوم للتحكم في نظرة الجمهور إليهم وعلى أي شكل يراهم النّاس، ظهر الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد السعودي بمظهر الشاب السعودي الذي جاء بأفكار الشباب والمستقبل للحكومة، يتحدث الأمير دائماً عن التكنولوجيا والمستقبل والاقتصاد والفرص الوظيفية والحياة الأجمل ولكنه أيضا ظهر في مناسبات عدة يلتقط صور "سيلفي" مع شباب ليرسم صورة الرجل الشاب في أذهان الشعب.

في حملات الانتخاب الأمريكية يركز المتنافسون على رسم هوياتهم في أذهان الأمريكيين بشكل جميل ودائماً ما يركزون على أمريكيتهم سواء من خلال التركيز على القيم الأمريكية في خطاباتهم أو حتى بألوان العلم الأمريكي في شعارات الحملات ولوحاتها.

الرئيس الأمريكي أوباما ظهر في حملاته الانتخابية بشكل بسيط واستخدم خلفيته الإفريقية لترويج فكرة "التغيير" ليرسم صورته في أذهان الجماهير بالمغيّر.

لكن الرجل الجديد في السياسة الأمريكية دونالد ترامب شق طريقاً جديداً مخلتف تماماً عن أي مرشح في تاريخ أمريكا، لم يركز كثيراً ترامب على القيم الأمريكية بل استخدم في خطاباته لغة الرجل الغير جيد "Bad Guy"، ليس بالضرورة ترامب رجل سيء فنحن لا نعرفه كثيراً إلا من خلال الصورة التي رسمها لنا عندما قرر خوض الانتخابات، ترامب رسم نفسه كعنصري، عدواني لكنه أيضاً صريح وصادق، فهو على طبيعته، ويتحدث كما لو أنه رجل مزارع وليس رجل دولة، كسب ترامب أصواتاً ومحبين بل ومجانين مثله تماماً، كسب ولاءً وشغف كما لو أنه فريق كرة قدم يعشقه جمهوره.

هيلاري كلنتون اعتمدت في حملتها الانتخابية على الصورة النمطية التي يعرفها الجمهور فرسالتها واضحة الهدوء، الجدارة والتحكم بزمام الأمور، في المقابل ترامب رفض اللعب بقوانين اللعبة السياسية فكان غاضباً متهكماً استخدم مصطلحات سوقية وأظهر الغرور والثقة بالنفس فاقتحم الإعلام وأصبح حديث الناس.

هذه الشخصية التي رسمها ترامب جعلت من اسمه الرقم واحد في التداول لا هيلاري، استراتيجيته بناها على كيفية سرقة الأكسجين من هيلاري، من منا من لم يذكر اسم ترامب على لسانه؟ من منا من لم يأتي اسم ترامب في ذهنه؟ ربما ليس مرة بل ألف مرة!
 

في عالم "البراندنج" لا يمكن أن ينجح من يكذب حتى ولو حقق أموالاً وأرباحاً فهو على المدى الطويل يفشل ويسقط لأنه لم يفِ بعهده

أرقام من شركة إحصاء (Brand watch) تقول أنه من شهر جولاي حتى شهر سبتمبر حصل ترامب في الوسائل الاجتماعية على ٤٠ مليون "منشن" بالمقابل حصلت هيلاري على 26 مليون. في تويتر وانستجرام وفيس بوك ترامب لديه 25 مليون متابع مقابل 17 مليون لهيلاري هذا مع العلم أن أغلب جمهور ترامب هم من غير مستخدمي الوسائط الاجتماعية!

يقول ريتاشرت هانقنتون الرئيس التنفيذي الاستراتيجي لشركة ساتشي اند ساتشي وهي ربما أقوى شركة إعلانات واتصال في العالم " إنه الآن من الواضح أنه عندما تكون معتدياً وسياسياً على غير صواب فإن هذا لم يعد عائقاً في عالم السياسية ".

استثمر ترامب في "براندنج" شخصيته أكثر من استثماره في حملته الانتخابية، تقول التقارير بأن ترامب أنفق من يناير حتى شهر أغسطس 169 مليون دولار في حملته الانتخابية فيما أنفقت هيلاري 517 مليون دولار أي أكثر من ثلاث أضعاف.
 

في عالم "البراندنج" لا يمكن أن ينجح من يكذب حتى ولو حقق أموالاً وأرباحاً فهو على المدى الطويل يفشل ويسقط لأنه لم يفِ بعهده، ولكن في السياسة الأمريكية الكل يكذب وما أكذب من ترامب إلا هيلاري!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.