شعار قسم مدونات

السّعي نحو سعادتنا

BLOGS - WILL
كنت أتجوّل بين بعض المواقع المختصّة بالأفلام وكواليسها، وتوقّفت عند صورة للممثّل ويل سميث. كان ويل يقف في وسط الكادر ووجهه مغمور بسعادة يحاول خنقها وسط الكثير ممن حوله. كان واحداً من الملايين الّذين مرّوا بذلك الشّارع، ولكن تركيز الكاميرا كان عليه وحده، لأنّ شعوره في تلك اللّحظة لا يوازيه شعور آخر. 
 

هذه اللّقطة كانت نقطة تحوّلٍ في مجرى حياة ويل سميث في فيلم "السّعي نحو السّعادة". السّواد الأعظم ممّن علّق أو نشر منشوراً يقتبسه من الفيلم عبّر عن التّأثير العميق الذي تركه هذا الفيلم فيه، عن الأمل والتفاؤل والشّجاعة التي زرعها في داخل عشرات آلاف المشاهدين.
 

ولكن، لنعد قليلاً إلى الوراء..
كريس جاردنر، رجل أمريكيّ من أصول افريقيّة، مرّ بظروف ماديّة خانقة في الثمانينات من القرن الماضي. جلس في عام ٢٠٠٢ كضيف في حلقة لبرنامج أمريكيّ يروي قصّة حياته، فتهافتت عليه آلاف الرّسائل والمجلّات والصّحف تريد توثيق قصّته، وفي عام ٢٠٠٦ كتب كتاباً يلخّص به تجربته ومراحل انتقاله من حالة الفشل والفقر إلى النّجاح والغِنى.
 

سُئل كريس في مقابلة حديثة "لو كنت ستغيّر شيئا في ماضيك، ماذا سيكون؟" فقال "لو غيّرتُ حدثاً واحداً من الماضي لما كنت أجلس هنا أتحدّث معك"..

قرأ كتابه الملايين، ومنهم المخرج الايطالي جابرييل ماكينو، فتحوّل ذلك الكتاب إلى فيلم في هوليوود، يحصد عشرات الجوائز والتّرشيحات، تقييمه مرتفع على موقع IMDB العالميّ.

بصراحة سألت نفسي، ما اللّحظة وما الصّفحة وما المشهد الذّي قرّر عنده مخرج بحجم ماكينو اختيار هذا النّص ليكون عمله القادم، ويمثّله نجم كويل سميث؟ إن كنتَ ممن شاهد الفيلم، فلك أن تختار مشهدك المفضّل..
 

شاهدت الفيلم أكثر من ٨ مرّات، وهناك من شاهده عشرات المرّات، وفي كلّ مرّة ينتهي الفيلم يبدأ شعور لديّ بالتّقصير اتّجاه نفسي، واتجاه واجباتي واتّجاه عملي. صرت أشعر أنّ ضجري سريعاً من بعض المهام ما هو إلا دلال، وكسلي عن القيام ببعض الأمور ما هو إلا تخاذل في حقّ أمانة مهنة أو بيت أو مسؤولية أحملها. لقد لعب ويل سميث دور كريس، رجل حقيقي ينام في الحمّام لليالٍ حتّى يجد ملجأ يأويه وابنه، يحمل بقايا ملابسه على ظهره ويروح يسعى من شارع لآخر ومن شركة لأخرى حتى يجد ما يسدّ جوعه. ولكن انتظروا.. كريس لم يرضَ بما يسدّ رمقه فقط، لم يرد أن يكون عاديّاً، أراد أن يتميّز، حينها فقط سيشعر بالرّضى عن ذاته.
 

إنّ اللّحظات التّي مرّ بها كريس حقيقيّة، بكاء وألم وفراق وجوع وخذلان وشعور قاتل بالفشل وأنّ كلّ ما حوله يزدريه. أسوأ ما قد يشعر به الإنسان هو الإحساس بأنّه على هامش الحياة، وهذا تماماً ما شعر به كريس براون عندما وصل غرفة فندقه ورأى ملابسه مكوّمة خارج الغرفة لأنّه لم يدفع الأجرة. وكم من شخص حولنا يلازمه هذا الشّعور؟ فيبقى حبيس غرفته أو جهازه الحاسوب؟
 

قِس كلّ ذلك على حروبك الشّخصيّة، ومعاركك الخاصّة. على قدرتك على الوقوف كلّما سقطت، وعلى الصّراخ كلّما أفقدك الآخرون صوتك. قِس ذلك على قدرتك على الإتقان في ظلّ ظروف سيّئة، وقدرتك على خوض غمار الحياة لتصل لما تريد.

لطالما أخبرونا أنّ هذه قصص بعيدة عن الواقع، ولهذا السّبب بالضبط انتشر الفيلم انتشار النّسيم نتنفسه بمتعة. إن كنت ممن شاهد الفيلم فستدرك الفرق بين الألم في المشاهد الأولى، والسّعادة في المشاهد الأخيرة. ستدرك أنّ هذا لا يحصل بالتّمنّي، ولا بالدّعاء دون عمل، هذا يحصل حين تختلط الدّموع بالعرق.
 

سُئل كريس في مقابلة حديثة "لو كنت ستغيّر شيئا في ماضيك، ماذا سيكون؟" فقال "لو غيّرتُ حدثاً واحداً من الماضي لما كنت أجلس هنا أتحدّث معك"..

وأقول: ما هي الخطوات التي نقوم بها الآن في حياتنا والتي سنصل من خلالها للحظة نقول فيها "لو غيّرتُ حدثاً واحداً من الماضي لما كنتُ هنا".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.