شعار قسم مدونات

بهاء.. لم ولن يكون مجرد رقم

blogs - bahaa

بهاء يشبه بملامح هذه الأرض ويشبه في تفاصيله الكثير من شبابها الطامح الذي يتحدى الظروف من أجل أن يصنع شيئًا لمجتمعه ووطنه من ثم لنفسه بصبرٍ جميل وكفاح صعب ومرير.

سعى إلى دخول موسوعة جينتس حينما نظم أطول سلسلة للقراءة في القدس المحتلة، وكان قائدًا لمجموعة كشفية ويعامل جميع أفرادها كأنهم إخوته وكانت من أنجح المجموعات الكشفية تشارك في فعاليات عربية ودولية، كما كان حاضرًا في كل نشاط مجتمعي أو وطني وكذلك من أهم النشطاء الإعلاميين عبر مواقع التواصل الاجتماعي الذين عرفناهم بنقل صوت القدس للعالم.

في عيون محبيه كان الشاب طيب القلب حسن الخلق تضحكه أبسط المداعبات وتحزنه أقل المشاهد المؤلمة التي كان يعيشها شعبه كان يتسع قلبه للجميع وكثيرًا كثيرًا كان يحب أن يساعدهم وغالبًا ما ينجح وهو الذي يبتسم وفي قلبه ألف دمعة.

هو الشاب العصامي الذي كان يجتهد لأجل تحصيل قوت يومه ومصروفه من خلال مشروعه الشخصي المتعلق بالأمور الفنية وتحضيرات الفعاليات والتصميم والجرافيك الذي كان يطمح من خلاله أن "يكسّر السوق" كما قال هو عن "مجموعة البهاء".

بهاء -22 عاما- مثل بقية الشباب من جيله كان يحلم بشريكة العمر التي يعيش معها وفتاة الأحلام التي يصنع معها أسرة جميلة، كان يحلم ببيت جميل يعج بأصوات الصغار كان يحلم بأن يكون أبًا وأن تكون في حياته أيام جميلة لكن نحسبه اختار ما هو أجمل من ذلك كله.

بهاء لم ولن تكون مجرد رقم بل ستبقى حاضرًا في قلوب من أحبوك ومن عرفوك وفي عيون أجيالٍ تحفظ العهد وتسير على ذات الدرب.

لذلك هو أجملنا وأصفانا وأطهرنا وأنقانا وأقوانا ليس القوة الجسمية بل القوة الروحية وقوة الإرادة التي هزمت عنده حب الدنيا والتعلق بها حين لبى نداء الله ونداء المستضعفين في بلده ونداء الأقصى الأسير، فتقدم ببسالة وشجاعة قل نظيرها بعد أن باع دنياه واشترى ما عند الله لينفذ عملية بطولية كانت ذكراها السنوية الأولى يوم أمس، نفذها مع رفيق دربه الأسير بلال غانم وكانت واحدة من أكثر العمليات النوعية خلال "انتفاضة القدس" وقد سقط فيها 3 قتلى من الصهاينة وأكثر من 15 جريحا على الأقل وذلك باعتراف الاحتلال الذي تكتم على الكثير من التفاصيل وفرض رقابة على إعلامه تمنع البوح بتفاصيل أكثر عن العملية.

وقد كانت العملية بعد أقل من 24 ساعة من إعدام الصهاينة البشع للطفل الفلسطيني حسن مناصرة ومحاولة إعدام ابن عمه أحمد مناصرة المعتقل حاليًا، وقبل خروج البهاء إلى العملية طلب الشهيد من والدته أن تختار له أجمل ملابسه وأن تساعده في إقفال أزرار قميصه وهو في قمة الرضا والسعادة قائلًا لها وهو يبتسم "زبطيلي الملابس منيح.. أنا رايح لعرس".

خرج بهاء وبلال لبغيتهما مع ساعات الصباح الأولى، تتسارع خطاهما في شوارع القدس المحتلة قاصدةً سبيل الله مستحضرين آلام شعبهم المظلوم، وحال مسرى رسول الله الذي يدنسه صهاينة يهود، وحرائر تهان وعز مفقود، وفي الطريق كانت البسمات الرقيقة لا تغادر الوجنات ولا العيون المتناظرات اللامعات، كأنهما يتسابقان، حتى وجدا حافلة، فصعدا إليها بكل ثقة وشجاعة ثم أغلقا الأبواب، وطلبا من الجميع أن يخفضوا رؤوسهم، وقبل أن يباشروا بتنفيذ العملية وكان أحدهما يحمل سكينا والآخر مسدسا، فتحا الأبواب مرة أخرى وأنزلا جميع الأطفال وكبار السن من الحافلة، وبمعنى آخر، أنزلا كل من لا يقدر على حمل السلاح أو المواجهة لأنهم فرسان نبلاء ولأنها مواجهة شريفة، ومن ثم أغلقا الباب مرة أخرى، واستمرت العملية حتى حضر المئات من الجنود الصهاينة ونفدت الرصاصات من أحدهم وتكسرت في يد الآخر السكين، بعدها أطلقوا الرصاص عليهما فاستشهد بهاء عليان وبقي بلال أبوغانم حتى يروي لنا تفاصيل عن الحكاية من خلف قضبان الاحتلال.

رحل بهاء لكنه ترك في نفوسنا أثرًا عظيمًا وحبًا أعظم وعدة وصايا كان أبرزها الوصية العاشرة التي قال فيها "لا تجعلوا مني رقم من الأرقام، تعدوه اليوم وتنسوه غداً أراكم في الجنة".
 

بهاء عليان لن ننساك يحملنا الشوق إلى ذكراك والتذكير بك وبقصتك وبطولتك لأنك تستحق أن تُذكر ولأنه أقل الوفاء لما أوصيت، وقد فاتنا الكثير في هذه الحياة.. فاتنا أن نحبك قبل الرحيل فعسى أن يجمعنا الله في جنته وتحت ظل عرشه الظليل.

بهاء لم ولن تكون مجرد رقم بل ستبقى حاضرًا في قلوب من أحبوك ومن عرفوك وفي عيون أجيالٍ تحفظ العهد وتسير على ذات الدرب تكمل المسير حتى النصر والتحرير.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.