شعار قسم مدونات

في ضرورة النقد الذاتي للعمل الإسلامي

blogs - islamic
حينما يغيب النقد الذاتي تتراكم الأخطاء، وتعلو العتمة، ويُصاب الأكثرون بالغشاوة، ويصبح الداعية القائد فرعوناً شرعياً، يرتدي عمامة الغزالي وجزمة عبد الناصر في آن واحد.. لا فرق بينه وبين المستبدين وإن تسربل بلبوس الشرع .

إن بيئة الاستبداد تُعدي، فالفرد والجماعة التي نشأت في بلدات عربية تجذّر فيها حكم الفرد والاستبداد، لابد أن تُصبغ مكونات تلك المجتمعات بهذه الظاهرة، وإن كانت بنسب متفاوتة، فالإنسان ابن بيئته كما يُقال، ومن لم تغيّره رياح العدوى، لامست بشرته ورمت عليها شيئاً من تراب.. لا مناص.

إن خروج الكثير من الشباب الحركي على وسائل التواصل وغيرها ينقد ويطالب بالمحاسبة والمراجعة لهو دليل على انغلاق الأبواب والقنوات الداخلية.

ثمّة حركات إسلامية قُطرية وأحزاب قياداتها تُجرّم النقد و المراجعات، وترمي صاحبه بأقذع التصنيفات : كمحرّض، وعديم الثقة، وعديم الطاعة، قبل أن يتم إدراجه مع "المتساقطين على طريق الدعوة"، إن لم يبادر بالتوبة وترك الشوشرة والزوبعات التي يحدثها دائما!

أعرف أخاً عاملاً صادقاً، ليس في تاريخه ما يعيب، لكن حين بدء بكتابة بعض المنشورات النقدية التصحيحية التي تدعو للمراجعة والمحاسبة، تم استدعاؤه فوراً لمحاكم الأمن الدعوي، لكي يكف عن الفتنة، والقدح والتشكيك في إخوانه!

وآخر، طالب بمراجعة الأصول العشرين مراجعة فكرية تجديدية، فُسلب العضوية، وهُجِر، ولم يُسمع حتى لوجهة نظره في ما طرح، بل أُسدِل الستار عليه، لأنه لامس وحياً حركياً، ومقدّساً غير قابل للمراجعة ألبّتة!

وآخر نادى بالتجديد وصدح بالنقد لإيقاظ الغافلين، فُرمي بالغرور، وقُوطع، وسُلِب حتى الحقوق الأخوية التي طالما تربّى عليها، ناهيك عن أدنى الحقوق التنظيمية التي تُبيح له المراجعة وإبداء النُصح، وسماع شكواه ورؤياه!

ومثلها مئات الحالات المشابهة في مصفوفة متوازية محدداتها الرئيسي محاربة النقادين من أبناء العمل الإسلامي من اللوبيات المؤدلجة ضد أي تغيير يمس القيادات أو السياسات أو المنهجيات داخل التيار الإسلامي..

إن أي مؤسسة أو حركة أو دعوة لا تحاسب نفسها محاسبة شحيحة، ولا تفتح أبوابها للنقد الذاتي وتحتوي نصح أفرادها مهما بلغ، بل ولا تبادر بالتفتيش الداخلي عن العيوب في كل وقت، فإنها عُرضة للضعف والتشقق والاضمحلال، مهما حاولت الترقيع على طول الطريق!

وإن خروج الكثير من الشباب الحركي على وسائل التواصل وغيرها ينقد ويطالب بالمحاسبة والمراجعة لهو دليل على انغلاق الأبواب والقنوات الداخلية التي تدعو لمراجعات جماعية يشترك فيها القيادة والأفراد على السواء.

بل إننا نعتبر أن النقد الداخلي نعمة وظاهرة صحية تستحق الشكر والاهتمام، كونها تطمئن الجميع بغياب التقديس، ووجود أتباع يقظين بالمرصاد على أي انحراف في الحركة والمؤسسة خلال سيرها.

إن القيادة هي المعنية بالمبادرة بطلب مراجعات الأفراد ورؤاهم باستبيانات وورش وندوات ومؤتمرات، لا أن تنتظر حتى ينفجروا غضباً ثم يتم إضافتهم لأرشيف "المتساقطين على طريق الدعوة" كالعادة، وتبرير أن ما يفعلوه مخالف لأدبيات النصح! ولقد أُعجبتُ ببعض الأحزاب التي بها مؤسسات خاصة للتفتيش والمتابعة والرقابة الداخلية على كافة الهيئات، وهو ما يُنبئ عن مؤسسية عالية في العمل، ومحاسبة مستمرة للقيادة والقاعدة على السواء، بما يضمن أداءً فاعلاً مسئولا في إدارة الأزمات والمواقف السياسية..

في الشباب خيرٌ كثير، وقد نجحوا في تحريك عجلة التغيير في العالم العربي، وهم الأقدر على تحريك عجلة التغيير لكي تطول الحركة الإسلامية في كافة أنحاء العالم.

إن أزمة انقسام التيار الإخواني في مصر وفي الأردن هي نماذج حية لتلك التراكمات وغياب المحاسبة و خفوت ظاهرة النقد الذاتي والمراجعات المطلوبة منهم، لذا فهي قابلة للتكرار في أقطارٍ أخرى، لتجمّد الكثير من القيادات في ذات المنهجية والطرق والسياسات، ولتعمّد تأخير أي نصح ونقد ومراجعات جذرية بحجة أن الوقت غير مناسب، لأن الحركة في محنة، وهكذا، من تأجيل إلى تأجيل حتى تتحول إلى متوالية متؤجلات لا تنتهي، وهروب من الحل إلى التقوقع في ردّات الفعل وحروب الوكالة وسجون المحن، وكأن الحركة الإسلامية لم تعتد المحن لتعمل فيها، وتاريخها كلها محن منذ نشأتها!

إن المُعوّل والمُراهن عليهم هم الشباب الحركي الناضج، الذين صقلتهم الميادين الثورية، وعاصروا الربيع وسقوط عروش وهزّات دول، وتعلموا فنون الأقيسة الصحيحة والتصحيح والتحليل، فعلى عاتقهم سيكون تصحيح المسار، وتوسيع دائرة الضغط الشبابي المتصاعد، في ثورات داخلية تصحيحية، وببلورة مشاريع تصحيحية لإنقاذ المجموع ككل، بدلاً من الانزواء وبلع المصائب خوفاً أو أن الوقت ليس وقته، أو تنفيس الغضب بنقدٍ هدّامٍ دون تقديم أي بديل..

في الشباب خيرٌ كثير، وقد نجحوا في تحريك عجلة التغيير في العالم العربي، وهم الأقدر على تحريك عجلة التغيير لكي تطول الحركة الإسلامية في كافة أنحاء العالم، وتضبط سيرها، وتحقق لها النجاح تلو النجاح، والنهوض بأوطانها ومجتمعاتها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.