شعار قسم مدونات

إلى أين ستقودنا ظنوننا؟

blogs-حرية

هل نظن أن بفعلنا -أو ردة فعلنا- القذر سيسعد الله جل جلاله في عليائهِ ويسمي قذارتنا انتقامًا له؟ وهل نظن أن قيم الله تُزرع في القلوب ببجاحةِ السيف والرصاص؟

هل نظن أن أفكارنا ستنتصر على مقابلتها، إن قللنا وسخفنا وحقرنا من عقيدة المقابل وفكرته؟
هل نظن أن الوطن سيعلو ويرقى كلما زادت ثروتنا اللاشرعية، والتي نجنيها باسمه وتحت قداسته؟
هذه هي أوطاننا وهذه هي ظنوننا!

ومع كل حدثٍ علينا أن نعود إلى الدائرة الأولى وهي لهجة الخطاب النابعة من قداسة المفاهيم (الدين- الوطن -الفكرة) وقدرة السامع على الوصول إلى مقاصد هذا الخطاب وغاياته وآليات تطبيقه ومدى قدرة الواقع والمجتمعات على تقبل هذه التطبيقات دون أذية أو تجريح لقداسة الخطاب.

إلى متى سنبقى ننتعل الدين والوطن والمناصب ونمشي بأسمائها ونمارس أقذر الأفعال، وأقنعة القداسة ودرعها يحمينا؟

علينا أن نعود إلى فكرة القِصاص بكامل تشريحاتها وتفاصيلها، نعود إلى فكرة الإنسان المختار للانتقام باسم الله باسم الوطن وباسم الثروة والفكر، نعود إلى ضيق النظر المملوك من الإنسان -على اختلاف مرجعيته وانتمائه الديني والوطني والمذهبي والعقائدي- نعود إلى غاية الدين ومدى جدواه في عصور اللادينية، وعصر التكنولوجية والإنسان الإله، وغاية الوطن ووجوده كرقعة جغرافية أو زمنية أو مكانية أو فكرية في عقول وقلوب أطباعٍ وانتماءات متباينة ومختلفة من البشر.

في كل مرةٍ علينا أن نعود إلى الإمعان في الشخصيات النافذة في الإجرام المجتمعي لأممنا وأوطاننا: السارق باسم الوطن، والقاتل باسم الدين، والناهب لحقوق الشعب باسم المسؤولية والمنصب، وعلينا مع كل الأحداث المتوالدة في كل مرة أن نعودَ لنتفقه في مدى الوعي الإنساني لدى شعوبنا وقدرتها الإدراكية على فهم الأمور من ج0وانبها جلّها، لا من منظور أحادي البعد فقط.

وأن نعودَ مكررينَ مع كل حادثة وحدث الأسئلة: أين العلّة هل هي في المفاهيم أم في متبنيها؟ ما الوطن؟ ما الدين؟ ما المسؤولية؟ ماذا تعني الملكية الفكرية على التشريح والنقد؟ وتترادف الأسئلة وتتوازى مع سابقتها لتصبح أكثر إلحاحًا وتفصيلًا: هل وطنيتي تبيح لي أن أقتل شعبي باسم ما أنتميه؟ هل يجيز لي الوطن أن أقسم ثرواته على كل من هم من شاكلتي وأستثني من لم يشرعوا وطنيتهم بصورة سياسية ماكرة حاقدة وعفنة ولم يشاركوني الدناءة؟

متى نعلم أننا سواسية لا يميزنا منصب ولا انتماء، لا يميزنا إلا القيمة الإنسانية المضافة على كل ما وطئنا ثراه ومررنا عليه.

هل يعني الدين أني أنا وليس أحد سواي؟ هل يعني تديني أن الله سلمني صكوكَ الغفران بيدٍ وبيدي الأخرى منحني سيفًا أقتل به كل من ناهضَ هواي؟ هل تعني المسؤولية أنني صاحب الثروة وأبنائي، وأن الشعب الذي كلفني أن أتربع عرشَ منصبي انتهت صلاحيته ودوره في المسرحية البذيئة لهذه الحياة؟ هل تعني قدرتي على التحليل والنقد وملكتي الفكرية أن أتجرأ على عقائد الآخرين وأمارسَ بجاحتي فوق مقدساتهم؟ هل الوقاحة ميراث الملكات الفكرية النقدية والتحليلية والكلامية؟ هل لا انتمائي يبيح لي التنطع فوقَ انتماءات الآخرين؟

إلى أين يا شعوبَ أمتي وحكامها، إلى أين؟ وإلى متى سنبقى ننتعل الدين والوطن والمناصب ونمشي بأسمائها ونمارس أقذر الأفعال، وأقنعة القداسة ودرعها يحمينا؟

أين القانون؟ وأين الشرعية الحقة التي ستكون ضابطَ أساس للفعل وضدهِ في مجتمعاتنا؟ وأين العدل الذي سيُظِل كل البشر -مخطئهم ومصلحهم وعابثهم وسارقهم وقاضيهم وحاكمهم- تحت مظلته، متى نعلم أننا سواسية لا يميزنا منصب ولا انتماء، لا يميزنا إلا القيمة الإنسانية المضافة على كل ما وطئنا ثراه ومررنا عليه؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.