شعار قسم مدونات

موريتانيا إلى أين؟

blogs - mouritania

حسم الرئيس الموريتاني الجدل القائم في موريتانيا بشأن المأمورية الثالثة، والمقترحات التي قدمت من طرف أعضاء في الحزب الحاكم بشأن تعديل المادة السادسة والعشرون، المتعلقة بالفترات الرئاسية، التي بموجبها لا يحق له تولي منصبه لأكثر من مدتين.

الجنرال أعلنها صراحة لا مأمورية ثالثة، منهيا جدلا واسعا، وحاسما الأمر، بعد ما وضع الجميع أيديهم على قلوبهم، فنحن وبلدنا الكريم تعودنا على الانقلابات، وإلا لما كان الجنرال بيننا اليوم. لا مأمورية ثالثة، إنما هو استفتاء شعبي حول العلم والنشيد، وحل لمجلس الشيوخ، وربما انتخابات رئاسية مبكرة، ودين العسكر يجب ما قبله، ونعود لنقطة الصفر، كما حدث حين خلع العسكر سنة 2005، في حركة لاقت استحسانا شعبيا، زعيمهم معاوية ولد سيد أحمد الطايع، أكثر من حكم موريتانيا منذ ركنت إلى عصر الدبابة، وأصبحت الانتخابات تحت تهديد السلاح. يومها استبشر الموريتانيون خيرا، بقدوم عصر جديد، يعتزل فيه الجيش السياسة، وكانت الفرحة مضاعفة، حين سلم العسكر السلطة لأول رئيس مدني منتخب سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله.

إذا كانت موريتانيا تحتاج إلى تغيير، فلن يكون الدستور من الأولويات، غيروا الفقر الذي أهلك المطحونين، غيروا حال التعليم في بلادكم، فموريتانيا بحاجة إلى تغيير جذري، قبل التغيير الدستوري.

كان الجميع يرى موريتانيا بالزي المدني، كما لم يروها من قبل، فقد تعودوا عليها معسكرة، حادة كطبع العسكري، تسير كما يوجهها القائد العسكري، لا كما يريد شعبها أن تسير. كانت موريتانيا يومها نموذجا عربيا فريدا، لقد تاب الله على عسكري عربي فقرر تسليم السلطة للشعب، وهو أمر لا يحدث كل يوم، بل ومستغرب، في دولنا العربية أو معسكراتنا العربية على الأصح. ولكنهم ا ستيقظوا بعد سنة، مخطئ من ظن يوما، أن العسكر قد زهد في السلطة، الرئيس المدني عزل والدستور عطل، والمجلس العسكري برئاسة الجنرال يحكم البلاد، ويعود بقوة ليتصدر المشهد السياسي، كانت لعبة عسكرية، كان وهماً باعوه للشعب وصدقناه جميعا.

هل مشهدنا يشبه المشهد المصري؟ أم أن مصر هي التي قلدتنا؟
دخلت البلاد يومها في معركة سياسة طاحنة، انتهت في العاصمة دكار بحوار يشبه حوارنا هذا، وذهب الجميع إلى الصندوق الذي يعشق العسكر ويعشقونه هم بطرقهم الخاصة، كنا يومها بحاجة إلى تغيير جذري، ولكن الجنرال ولد عبد العزيز حكم البلاد، بعد فوزه في الانتخابات، وعدل الدستور بشتى الطرق والوسائل، واستفتي الشعب الموافق أصلا بطبعه الطيب والمسالم، كما سيوافق على الاستفتاء القادم، دون أن يعرف موريتانيا إلى أين؟ مستقبلنا إلى أين؟ أجيالنا القادمة إلى أين؟ ما يقارب الستين عاما ونحن ندور في نفس الدائرة، تغيير الرئيس، تغيير الدستور، ولكنه اليوم، بنكهة جديدة سنغير النشيد والعلم، وأخشى أن يأتي يوم تغير فيه الأجيال القادمة وطنها، وتبحث عن وطن آخر.

إذا كانت موريتانيا تحتاج إلى تغيير، فلن يكون الدستور من الأولويات، غيروا الفقر الذي أهلك المطحونين، غيروا حال التعليم في بلادكم فالأمية أنهكت موريتانيا، غيروا هذه البنية التحية المتهالكة، فموريتانيا بحاجة إلى تغيير جذري، قبل التغيير الدستوري. العلم والنشيد لم يمنعا شعبا من التقدم، فلماذا نصب كل غضبنا عليهم؟ 

حديث الرئيس الموريتاني البارحة، كانت تصريحا يحمل تلميحا، مفاده أننا مقبلون على مرحلة جديدة، خططوا لها بحنكة، وكلنا يا عرب نعرف الحنكة العسكرية، فقد ذقنا مرارتها، وهي كالعلقم، وإذا كانت عسلا فهي عسل مسموم، فقد تعودنا على التخدير والتنويم العسكري، مع كل الأمنيات أن نرى موريتانيا جديدة، يعتزل جيشها وقادته السياسة، حتى تنهض وتلحق بركب الشعوب المتقدمة، فقد تأخرنا كثيرا، وضاع من عمر بلدنا الكثير .

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.