شعار قسم مدونات

وحده الحظ يحمينا .. من قلق الهيمنة الملتحية

blogs - morocco
من حسن حظ المغرب السياسي أن الإسلاميين ليسوا كتلة متجانسة، ولو كانوا كذلك لزحفوا على المشهد الانتخابي وعلى مؤسسات السياسة والدولة.

وحده الشتات السياسي الذي يفرق صفوفهم مازال يحمي التعددية الحزبية، ويجعل الملكية في منأى عن سطوتهم الدينية والأيديولوجية.
 

في انتخابات سابع أكتوبر، ظهر أن تجربة التسيير الحكومي لم تؤد إلى إنهاك قواهم أو استنزاف شعبيتهم، والظاهر أنهم كلما أطالوا الجلوس في الكراسي الوزارية تزداد شعبيتهم، وبين اقتراع نونبر 2011 وانتخابات أكتوبر 2016 زادوا في رصيدهم خمسمائة ألف صوت إضافي.

لم يعد خطاب الحركة الوطنية أو اليسار قادرا على الصمود أمام آلتهم الانتخابية الجبارة، حتى حزب الاستقلال الذي كان يوصف بأنه آلة انتخابية لا تتعطل جاء متأخرا عنهم بسبعة وسبعين مقعدا، وتجاوزوا الاتحاد الاشتراكي الذي كان يقود المشهد الحزبي بمعاركه ضد القصر والمخزن بمائة وسبعة من المقاعد.
 

وسمعنا زمن الحملة الانتخابية يسارا آخر يقول إنه البديل المنتظر، على شاكلة المهدي المنتظر عند الشيعة، لكن هذا اليسار الذي يعادي الإسلاميين والاشتراكيين والاستقلاليين والدولة والمخزن وحتى بعضا من رفاقه، لم يحصل على أكثر من مقعدين.
 

وحتى إن كان لدينا تحفظ على المشروع السياسي لحزب الأصالة والمعاصرة، وعلى أسلوبه في إدارة صراعاته السياسية، أثبت أن هناك حاجة إليه وجدوى من وجوده، كان الوحيد في الساحة الذي استطاع مجابهة الإسلاميين، وجعلهم يقلقون، ولا يطمئنون إلى أن الطريق نحو الهيمنة سالكة، لا منعرجات ولا حواجز فيها.
 

حين يهزنا كل هذا الهوان السياسي والأيديولوجي نعود لأن نحتمي بإمارة المؤمنين ونتدفأ من أحضانها.. ونردد عاش الملك

لم يكن الحزب ملاكا، سرق مرشحين كبار من هذا الحزب وذاك، تغذى من دماء حلفائه وخصومه، واستعمل كل الضربات المتاحة أمامه فوق الحزام وتحته، لكن الحزب كان ضروريا، لولاه لحصد الإسلاميون الأغلبية المطلقة وأحكموا قبضتهم على الحكومة والبرلمان.
 

لكن "البام" جدار دفاعي هش للغاية، وهو هذه الأيام أسير مشاعر الإحباط، والكثيرون ممن كانوا يتحلقون حوله بازدحام شديد، انفضوا من حوله كما لو كان لعنة تهدد بأوخم الأضرار.
 

ومن حسن حظنا أن الإسلاميين ليسوا كتلة متجانسة.. ماذا سيحدث لو اختارت جماعة العدل والإحسان، التي تعتبر نفسها أكبر قوة إسلامية في المغرب، أن تدعو قواعدها للتصويت لصالح العدالة والتنمية؟ هو الاكتساح الكبير من دون شك.. أو لنقل إنه أكبر من زلزال بل تسونامي سياسي.
 

لكننا نجني ثمار ذاك التناقض السياسي الكلاسيكي بين إخوان عبد الإله ابن كيران وبين ورثة عبد السلام ياسين، ولحد الآن لا تراهن جماعة العدل والإحسان على دعم إسلاميي البرلمان، خيارها الأساسي هو إنجاح وتضخيم رقم المقاطعين للمشاركة في الانتخابات.
 

كلما كان العزوف عن التصويت مرتفعا، وكلما تدنت نسبة المشاركة في الاقتراعات التشريعية إلا وتقول العدل والإحسان، إنه نصر سياسي تحققه بدعوتها لعدم المشاركة ورفضها للدستور وما يتفرع عنه من مؤسسات وانتخابات.
 

ولو اختارت الجماعة المنافسة الانتخابية، لحصل حزب العدالة والتنمية على أقل مما يحصده الآن من أصوات ومقاعد، سيتقاسم الإخوة الخصوم نفس الزبناء ويقتاتوا من نفس الصحن، ومن دون شك لا أحد منهما سيكون أغلبية، لكنها ستكون أزمة سياسة لو قررا التحالف.
 

ومن حسن الحظ مرة أخرى أن العدل والإحسان تمجد المقاطعة، وترفض المشاركة وتحالفاتها.. ولولا تلك الخصومة التي نشأت بين حزب العدالة والتنمية والتيار السلفي خلال الولاية الحكومية السابقة، حين اتهم السلفيون وزير العدل الإسلامي بعدم تبني ملف إطلاق سراح معتقليهم بشبهات الإرهاب، لكانوا قاعدة انتخابية لا تقهر بالنسبة لإخوان عبد الإله ابن كيران.
 

وحظنا مرة أخرى أن السلفيين يعيشون أكثر من انقسام سياسي وعقدي، وحتى شخصي.. بعضهم اختار الالتحاق بحزب رجل أمن سابق، لأنه أعطاهم وعودا بالعفو عما تبقى من إخوانهم في السجون.. وبعضهم الآخر جرب وصفة حزب النهضة والفضيلة المنشق عن العدالة والتنمية، لكنه اختار في نهاية المطاف أن يستقر في أحضان حزب الاستقلال.. والبعض الآخر يرفض الانتخابات والتصويت والمشاركة.
 

وقليلون هم أولئك الذين اختاروا التصويت للعدالة والتنمية بناء على قاعدة الفقه التي تقول بأنهم أخف الضرر بين باقي الأحزاب، والأكثر تمثيلا للإسلام، وفيهم من تأسره عقيدة الجهاد والدم ويرى كل الإسلاميين ضالين مثلما يرى في الدولة واليسار والليبراليين جماعات كفار.
 

لكني أتساءل باستمرار وبقلق: ماذا لو تجاوز الإسلاميون خلافاتهم وانقساماتهم وصاروا كتلة سياسية وانتخابية واحدة؟!
 

اليسار مات أو هو يحتضر، أو لنقل إنه يعيش حالة موت سريري.. والليبراليون ما عادوا يقنعون أحدا، وحتى أعيانهم التقليديين شدوا الرحال صوب ما يعتقدون أنه حزب الدولة.. حتى السلفية الاستقلالية التي تريد منافسة الخطاب السلفي الإسلامي، لم تعد عجلاتها تدور برشاقة في الطريق السيار الانتخابي مثلما كانت عليه في السابق.
 

يتآكل كل شيء، حزبا حزبا، في اليسار واليمن، ونترك الملك وحيدا في مواجهة من ينازعونه شرعيته الدينية وصلاحياته في تدبير الحقل الديني.. وحين يهزنا كل هذا الهوان السياسي والأيديولوجي نعود لأن نحتمي بإمارة المؤمنين ونتدفأ من أحضانها.. ونردد عاش الملك حين يقول إنه ضامن التعددية وحاميها.
 

لكننا لا نتساءل كلنا بقلق: ماذا لو كان الإسلاميون كتلة متجانسة؟ وماذا لو بقينا في هذا الهوان الذي ينقلنا من أحزاب بقوات شعبية إلى أحزاب بكواليس الصالونات وبعيدا عن قواتنا الشعبية.
 

وسأظل أتساءل فقط، لأن القلق يحجب عني عناصر الجواب.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.