شعار قسم مدونات

الاختلاط المفترى عليه!

blogs - hijab
مررت قبل فترة بعدد من المواقف خلال عملي جعلتني أسأل بعض ضيوفي من العلماء بعد الانتهاء من تسجيل حلقاتي معهم، "أريد جوابا شافيا، هل أنا مخطئة؟.. شرحت لهم ما في خاطري فأرشدني أحدهم إلى كتاب "تحرير المرأة في عصر الرسالة" للدكتور عبد الحليم أبو شقة، بينما قال لي آخر عنه إنه "منفتح" بالتزام! أثار هذا التعبير فضولي فقضيت عدة أشهر أقرأ فيه حتى شعرت أننا نعيش حالة من الانفصام..

نعم هذا هو التعريف الأبسط الذي يمكن أن نفسر به تغنينا بالإسلام كدين ومعتقد وما به من حريات ومساحات للعيش الكريم، وفق حقوق وواجبات تضبط إيقاع الحياة وفق ما يرضي الله عز وجل ويسير أمور الدنيا على مبدأ الاستخلاف والاستعمار الذي أراده الله تعالى من وجودنا على هذه الأرض، كل ذلك مقابل ما نمارسه على الأرض في حياتنا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية يجعلنا نرى دينا غير الدين وشريعة غير الشريعة.

ليس فقط الجانب السياسي ما أصبحت الحركات الإسلامية اليوم بحاجة ماسة إلى إعادة إنتاج فقهه وتشريعاته واجتهاداته كي تواكب التغييرات الكبيرة التي مرت بالعالم العربي والإسلامي، والتي كان جزءا من فشلها ضعف تلك الحركات في ذلك الجانب وجمود فكرها وحركتها فيها، ولكن الجانب الاجتماعي خاصة ذلك المتعلق بالمرأة فيه.

بعضهم الذي ظل يردد علينا قاعدة "سد الذرائع"، أو "درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة"، حتى ظننت أن الإسلام قائم على قاعدة "محلك سر".

يواجه كثير من الشباب الملتزم اضطرابا متسعا سواء الشباب أم الفتيات فيه، في التعامل مع بعضهم البعض، بين الانفتاح الشديد والتزمت، مفاهيم الاختلاط والخلوة، الحديث المباشر وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، زي المرأة، ضرورة العمل وحاجته، هل هي مادية فقط أم إنسانية وكيانية للمرأة وللمجتمع، وغير ذلك كثير من القضايا القديمة الحديثة.

كثير من المحرمات عشناها قبل عشرة سنوات وأكثر نجدها الآن في ثقافة الحركات الإسلامية والشباب المنتمي لها خاصة أصبحت من المقبولات بل ووجد لها المبرر الشرعي الذي ما كنا نراه قبل ذلك، بل بعض الأمور أصبح التحفيز عليها وبسط السبل إليها مما خلق كثيرا من المتناقضات في نفوس الشباب الذي نشأ على القديم ووجد نفسه في خضم هذه المتغيرات الآن.

سألني كثير منهم عن كتب أو فتاوى أو تأصيل شرعي لتلك الأمور مما دفعني للبحث كثيرا عن المرأة في الإسلام، ليس بتلك الصورة النمطية التي كنا ندرسها وننشأ عليها، ولكن كثيرا من الكتب التي ما كنا نسمع عنها قبلا والأحاديث الصحيحة التي ما تليت على مسامعنا يوما مقارنة بأحاديث غرست في عقولنا وممارساتنا الحياتية اكتشفنا لاحقا أنها موضوعة أو ضعيفة أو غير ذلك من مصطلحات في علم الحديث.

بعضهم الذي صور لنا أن كل حوادث اللقاء والاختلاط بين النساء والرجال في عصر الصحابة الكرام كانت قبل الحجاب، وكأن النساء بعد ذلك أصبحن جزءا من الجدر في المنازل فما عدن يخرجن ولا يرين أحدا! وبعضهم الذي ظل يردد علينا قاعدة "سد الذرائع"، أو "درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة"، حتى ظننت أن الإسلام قائم على قاعدة "محلك سر"، فهذا هو أسلم شيء لمن لا يريد أن يقع في الخطأ.

وهو ما وجدت محمد الغزالي وعبد الحليم أبو شقة والشعراوي والترابي وغيرهم كثير من العلماء الذين أفردوا بعضا من كتبهم للحديث عن المرأة في الإسلام قالوا بغيره، وفوق ذلك ما ورد في الصحاح عن أدوار وأفعال وأحداث مرت بحياة الصحابة والصحابيات لو قام بها أحد منا الآن لاتهموه بما ليس له في الدين من أصل.

حسنا ربما لست في معرض إيراد كثير من القصص والتفاصيل والأحداث، ولكنها مجرد لفت انتباه إلى ضرورة أن نعيد النظر في كل الموروث الذي عبئ في رؤوسنا ظلما وعدوانا على ديننا وتراثنا بطيب نية أو بسوئها، وربما كان الخوف من الانجرار وراء الحركات النسوية والفكر الغربي التحرري؛ هو ما جعل كثيرا من العلماء يشدد ويضيق بهدف "سد الذريعة" حتى جمدنا مكاننا، وتعبدنا الله تعالى بغير ما أنزل على نبيه بدعوى أن ما كان يصلح بين الصحابة الأتقياء الأنقياء لا يصلح الآن، وكأن الدين لم يأت للإصلاح أصلا ولتغيير حال الناس من فسادهم إلى الطهر والنقاء.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.