شعار قسم مدونات

حلب المدينة الموؤودة

blogs - syria
إن كون الحرب قذرة لا يعني أن علينا أن لا نستغرب قذارتها، ولكن تجاوزها لحدود معنى كلمة القذارة يضعنا أمام معضلة تتمثل في عجز المفردات الكامنة داخل المعاجم عن التعبير الأمين لوصف ما يجري في سوريا بشكل عام وفي مدينة حلب على وجه الخصوص.

لا يخجل الرئيس بوتن وجنرالاته من الحديث أمام وسائل الإعلام عن كون تدخلهم في سوريا قد أتاح لهم فرصة اختبار الأسلحة الجديدة الفتاكة ومدى فعاليتها في الفتك والتدمير مما يتيح لهم فرص واعده في الترويج لمبيعاتهم منها حول العالم.

لم يخجل هذا الرجل من التفاخر بكون حربه القذرة هذه، تعطي فرصة فريدة لقواته باكتساب الخبرة الميدانية في حرب حقيقية عوضاً عن تبذير العتاد في المناورات.

إن التاريخ لن يقبل بعذر الامتناع عن دعم الثوار أمام هذه الإبادة بذريعة امتناع الولايات المتحده عن الموافقة على دعم الأخ لأخيه، لأن هذا العذر هو أقبح من الذنب.

ولنا أن نتسائل عما إذا كانت هذه الحرب حقيقية فعلاً إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أنها أشبه ما تكون بحرب إبادة يمارسها الطرف الروسي بصواريخه البالستية عن بعد آلاف الأميال وبقاذفاته الاستراتيجية على الأحياء المدنية والمدارس والمستشفيات وعلى طوابير البشر المصطفة على المخابز.

كل هذا يجري على مرأى ومسمع العالم العربي والغربي الذي يرفع رايات حقوق الإنسان ويتباها بها وعلى رأسها حق الإنسان في الحياة الكريمة، مع أن الإنسان السوري تنتهك آدميته وأصبحت الحياة لديه حلم غير قابل للتحقيق.
لا يوجد اليوم أمام القيادات العربية أية مسوغات أخلاقية أو شرعية توفر لها الغطاء أمام هذا العار الذي سيحفر في ذاكرة البشرية ليطبع لها سجلاً تاريخياً يدون مواقفها التي ستجد الأجيال القادمة صعوبة فائقة في فهم طبيعة الأسباب التي جعلتهم يمتنعون عن توفير الدعم لهذا الشعب الذي يباد.
نعلم جيداً أن الدول العربية تسعى للحصول على ضوءٍ أخضر من الإدارة الأمريكية التي آثرت الانضمام إلى منهاج المدرسة العربية في السياسة والمتمثل بالاكتفاء بالإدانات اللفظية للذين يلقون بالقوانين الدولية عرض الحائط.
لعل أمريكا تخشى من هيجان الدب الروسي وتحاول عدم استفزازه قدر المستطاع لأن سياسة الرئيس أوباما تحولت بأمريكا من سياسة المبادئة المبكرة لمنع وقوع المحظور إلى سياسة انتظار المحظور ليقع، لتقوم بإفراغ ما لديها من ذخائر الإدانة والتنديد كدأب القيادات العربية التي توقفت حتى عن الإدانات وابتكرت عوضاً عن ذلك بسياسة الصمت المريب.
إن التاريخ لن يقبل بعذر الامتناع عن دعم الثوار أمام هذه الإبادة بذريعة امتناع الولايات المتحده عن الموافقة على دعم الأخ لأخيه، لأن هذا العذر في واقع الأمر يمثل الترجمة الحقيقية للمثل العربي القائل "هذا عذر أقبح من الذنب".
لعلي أجد الجرأة الكافية لطرح هذا السؤال السافر للقادة العرب.
إذا ما تمكنتم من تجاوز حالة الحرج مما يجري اليوم أمام الشعوب العربية وأمام ضمائركم التي نعلم جميعاً أنها تعذبكم مثلما تعذبنا وبمرارة تفوق تلك التي نعاني منها نحن كأفراد، فإنني أسأل عن ماهية الإجابة التي ستقدمونها عندما نقف جميعاً أمام الله.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.