شعار قسم مدونات

كيف تحصل على جواز سفر أجنبي

blogs - palestine
إن كنت قد دخلت لقراءة المقال لأنك بالفعل تريد أن تحصل على جواز سفر أجنبي، فقد أثبتت وجهة نظري أصدقائي القرّاء من قبل حتى أن أبدأ. أرجو أنا لا تغضبوا منّي وتحقدوا عليّ مع نهاية المقال..

في كل مرة أستلم فيها جواز سفري الفلسطيني الجديد أقرأ هذه العبارة: "هذا الجواز صادر بناءً على اتفاقية الحكومة الذاتية الفلسطينية وفقًا لاتفاقية أوسلو الموقعة في واشنطن في 13 سيبتمبر 1993، يرجى من ذوي الشأن السماح لحامل هذا الجواز المرور بدون أي تأخير أو إعاقة وعند الضرورة حمايته وتقديم المساعدة له".

ماذا نفعل أعزائي بجوازات سفرنا؟ انضم إلينا في المحنة الإخوة من سوريا والعراق ومصر واليمن.. وباتت الدائرة تتضيق علينا لتتسع على من هم غيرنا.

لا أعرف عندها أأضحك أم أبكي، يقول: المرور بدون تأخير أو إعاقة و تقديم المساعدة! ومن يعرف الجواز الفلسطيني يعرف أنه بعيد كل البعد عن هاتين الصفتين، وما يزيد الطين بلة هو أن الأمر يزداد تطييناً عندما تتعامل مع الإخوة والأشقاء العرب، فعندهم قد تحول الدم طيناً لا ماءً فقط(كلها طين في طين).

ثم أنظر إلى إطار الغلاف الداخلي وأجد تلك الزخرفات التي جعلوها رمزاً لفلسطينيّةِ حامل الجواز ومصدره، للأمانة حبستني الغصة وأنا أنظر إليه، فحماقتي البلهاء تأبى إلا أن تتأثر بشيء من رائحة البلاد.. ولكنني أعيد لنفسي رشدها وأذكرها بأنه مجموعة أوراق فقط.. مجموعة أوراق يتحكم بواسطتها من بأيديهم القدرة في مصائر العباد، ويفرقون بين الأب وأولاده، والأم وأحفادها، مجموعة أوراق تُكتب فيها أسطوانات بالية لا وزن لها، فكل ما يهم هو اسم البلد الذي يكتب بماء الفضة والذهب على خلفية زرقاء أو حمراء أو خضراء أو سوداء..

ماذا نفعل أعزائي بجوازات سفرنا؟ انضم إلينا في المحنة الإخوة من سوريا والعراق ومصر واليمن.. وباتت الدائرة تتضيق علينا لتتسع على من هم غيرنا، وأضحى بعضنا يقول: خذوا هذه الأوراق لا أريدها واتركوني. يثير الغرابة أمر كهذا، فنحن نولد دون أن نُخير لمن نريد أن ننتمي كمواطنين، ربما عندما نكبر نختار انتماءاتنا الثقافية والدينية والسياسية، ولكن المواطنة هي السجن الذي يضعوننا فيه ويخرجوننا منه كما يشاؤون.

عندما أفكر في الأمر تبدو لي الجنسية أقرب إلى نظام استعباد إقطاعي قديم، فنحن المواطنون أتباع لمن يجلس على رأس سلم المواطنة الحديدي ال"مصدّي"، حيث ينبغي علينا أن نبرهن في كل ما نفعل استحقاقنا لمواطنتنا هذه، ونسبتنا إلى الدرجة التي نقبع فيها من درجات السلم سالف الذكر. وإن كان البعض منا يحاول إسقاط السلم أو تجاوز بضع سنتيمترات فهم بلا شك لا يقدّرون نعمة المواطنة ولا يوفون للوطن الدين الذي حمّلهم إياه لمجرد أنهم ولدوا.

أوطاننا يا أصدقائي تلبست هيئة الأرض، تلك الأم الحانية التي تعطي أبناءها من مائها وهوائها فتتداخل هذه مع خلاياهم وهم يكبرون ويحسون بذلك الانتماء (من النمو، مثل الشتلة التي تخرج من بين تراب الأرض لتصعد إلى السماء). ولكن هذه الأوطان ليست السبب في حياتنا كما تحب أن تصدق، بل نحن أحياء على الرغم من وجودنا فيها! نحن من نعطيها النفس الذي يجري فيبقيها قائمة! أما الأرض، فالأرض لا تعرف الحدود ولا جوازات السفر ولا الأسلاك الشائكة.

إن مفهوم الدولة التي نعيش موزعين عليها مفهوم تعيس، لم نعرفه إلى بعد أن جاء إلينا الرجل الأبيض (في المكسيك يسمونه الشيطان الأبيض)، كانت الأرض مفتوحة تتماهى مناطق النفوذ فيها، يتداخل الناس، ويتزاورون دون تصريحات وأذونات، فلما جاء أخونا الأشقر، قال لك، لا.. كيف نتركهم يمرحون ويسرحون..

علينا أن ننتفهم نتفاً نتفاً حتى نعرف أين يذهب كل صرصور منهم ومن أين يأتي كل جرذ (لم يقل هذا تحديداً، ولكن هكذا تخيلته). ونحن كالحمقى أصبحنا نحمل الخرائط على جباهنا، ونجلد بها ظهرونا ونتقاتل فيما بيننا على مناطق النفوذ، أي والله يسمونها مناطق نفوذ! أي نفوذ أثابكم الله يقبع على خريطة وعبّاس نائم واللص يصول ويجول في البيت بلا رقيب ولا حسيب:

عباس وراء المتراس، يقظ منتبه حساس، منذ سنين الفتح يلمع سيفه ، ويلمع شاربه أيضا، منتظرا محتضنا دبه، بلع السارق ضفة.. 

قلّب عباس القرطاس، ضرب الأخماس بأسداس، (بقيت ضفة) لملم عباس ذخيرته والمتراس، ومضى يصقل سيفه، عبر اللص إليه، وحل ببيته، (أصبح ضيفه)، قدم عباس له القهوة، ومضى يصقل سيفه، صرخت زوجة عباس: " أبناؤك قتلى، عباس، ضيفك راودني، عباس، قم أنقذني يا عباس"..

عباس ــ اليقظ الحساس ــ منتبه لم يسمع شيئا، (زوجته تغتاب الناس) صرخت زوجته: "عباس، الضيف سيسرق نعجتنا"، قلب عباس القرطاس ، ضرب الأخماس بأسداس، أرسل برقية تهديد، فلمن تصقل سيفك يا عباس؟" (لوقت الشدة) إذا، اصقل سيفك يا عباس..
أحمد مطر

عندما سمعت وأنا أصغر سناً قصيدة محمود درويش التي يقول فيها "أسقطوا عني جواز السفر"، فكرت في نفسي، يبدو أن محمود درويش أيضاً يقف على المعابر طويلاً في انتظار الفرج، ولكن لما كبرت وعرفت أن محمود درويش شاعر السلطة الفلسطينية قلت لعل موضوع الإنسانية ذاك الذي يتحدث عنه وكل قلوب الناس جنسيتي وإلى آخره هو بيت القصيد فعلاً.. على العموم.. بما أن سيرة درويش حضرت فينبغي أن ألفت النظر إلى أنه من أكبر خيباتنا أن يكون درويش هو شاعر القضية الفلسطينية.. تلّمع وتصّدر وأصبح هو الحاضر وغيره غائبون.. وصار كما قال ناجي العلي في حينها: درويش خيبتنا الأخيرة.. على وزن خيمتنا الأخيرة من قصيدة درويش.. كان دمه خفيف هالعلي.

وما جوازات السفر التي نصنف وفقاً لها من له أولوية ومن ينتقل إلى مؤخرة الصف إلا ضرباً من البلَه اللاإنساني.

المهم يا سادة، لنعُد إلى سيرتنا.. ماذا نفعل بجوازات السفر، يعنّ لي أن أتخيل أننا في يوم من الأيام سننظر إلى تلك المجموعات من الأوراق المليئة بالحبر المسكوب هدراً، المكتسبة أهمية غير منطقية، التي ندفع نحن الذين نرفضها تكاليف إصدارها! ونقول "حَرِق!".

ونقوم بتحديد أماكن تجمع يتم فيها جمع أكوام الأوراق هذه ثم نسكب عليها البنزين ونشغل عود كبريت. وفي اليوم التالي نتجه إلى المطارات ونقول: والله ما معي جواز، بتحب تسجل اسمي وتاخدلي صورة؟ بس ما بتكتب أنا من وين هه، بنزعل منك بعدين!، هكذا بكل تلقائية، ونمر عبر البوابات ومن أمام موظفي الأمن عديمي الفائدة وتنطلق الطائرات ونحن في الأفق نلوح لبعضنا البعض (عأساس شايفين بعض يعني، فنتازيا فنتازيا شو بدكم يا جماعة). ثم ننزل إلى وجهاتنا ويصعد غيرنا وهكذا دواليك حتى لا يعود مواطن في مكانه مع نهاية اليوم.

لست من أصحاب الفكر الفوضوي، ولكن بعض القواعد هي أصل الفوضى وموطن العبث. وما جوازات السفر التي نصنف وفقاً لها من له أولوية ومن ينتقل إلى مؤخرة الصف إلا ضرباً من البلَه اللاإنساني. فإن كنتم تريدون أن تعرفوا كيف تحصلون على جواز سفر أجنبي فللإسف لم أُقدم لكم الإجابة، ولكنني أتفهم تلك الرغبة الواقعية البراغماتية. ما تحدثت عنه هنا في الحقيقة لا يعدو كونه ثرثرة علاجية (كما يسميها النفسيون، أمي تسميها هرتلات، وأختي الصغرى تسميها تخبيص)، ونمارس حقّنا في شيء من الفنتازيا الهروبية(أحلام اليقظة يعني)، على أمل أن تلمحوني وأنا ألوح لكم من شبّاك الطائرة يوماً ما.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.