شعار قسم مدونات

إخوان الأردن: الحزب الجديد والموقف المطلوب

blogs - muslim
بعد مخاض طويل، شهد العديد من المبادرات، العشرات من اللقاءات، والوساطات، تشهد الساحة الإخوانية الأردنية ميلاد حزب جديد، يقف على رأسه العديد من الشخصيات الإسلامية المعروفة، والتي شغلت حيزاً قيادياً متقدماً في صفوف جماعة الإخوان المسلمين، بالإضافة إلى العشرات من الشخصيات الوطنية المستقلة.

الأمر لم يكن مفاجئاً للكثيرين من أبناء الجماعة، ولا من المراقبين والمتابعين للشأن الأردني بشكل عام، وللشأن الإخواني بشكل خاص، لأن الحديث عن إيجاد إطار وطني واسع ومستقل كمظلة وطنية شاملة، تتسع لأكبر عددد م الإصلاحيين، الذين يحملون هم الوطن ويعملون على إصلاحه، والإخوان جزء من هذا القطاع، وبعيداً عن وصاية الجماعة، كان حديثاً متداولاً في أروقة الجماعة، وعلى أعلى مستوياتها، وكان مقبولاً لدى القيادة السابقة، والتي لا تخلو من تأثير واضح على مجريات الأمور حالياً، من خلال تواجدها في بعض القنوات القيادية، وهذا الأمر كان قبل فكرة العمل على إعادة الهيكلة التنظيمية لحزب جبهة العمل الإسلامي، الذي يعتبر الذراع السياسية لجماعة الإخوان في الأردن، غير أن ما بعد الانتخابات النيابية الأخيرة، والتي شهدت حضوراً فاعلاً للحزب على الساحة الانتخابية، يجب ما قبلها، إذ تراجعت قيادة الحزب الحالية عن مضمون فكرة إعادة الهيكلة، كما كانت مطروحة من قبل، الأمر الذي عجل في ميلاد الحزب الجديد " حزب الشراكة والإنقاذ".

في الوقت الذي تحرص فيه الجماعة على فتح قنوات الحوار، وصنع التحالفات مع الجميع، لا يليق بها أن تضيق ذرعاً بمجموعة من رموزها اختطوا لأنفسهم خياراً سياسياً.

وبعيداً عن التجاذبات والنقاشات التي ربما تطول، وتستهلك مزيداً من الأوقات، وتكون محل خلاف مستحكم، وردود لا تخلو من الاتهامات، فقد أصبح الحزب الجديد واقعاً بعد أن كان فكرة بعيدة، في ذهن البعض، والسؤال الذي يجب الوقوف عنده الآن، والبحث له عن إجابة مناسبة، كيف سيتعامل الإخوان مع هذا الحزب، وما هو الرج المناسب، والخطاب الأنسب في التعامل معه؟

بداية يسجل للمكتب المكلف بإدارة شؤون الجماعة ردوده الهادئة حتى هذه اللحظة، سواء البيان الصادر عن مكتبه الإعلامي، أو تعميمه اللاحق والذي نص على " عدم تداول موضوع الحزب الجديد وشخوصه، أو القيادات الإخوانية بشكل عام على وسائل الإعلام، خصوصاً تلك المداخلات والتعليقات الاتهامية والمسيئة للجماعة، أو من أعضائها، سواء اتفقنا أو اختلفنا مع هذا أو ذاك". والأنظار داخل الجماعة وخارجها تتجه باهتمام إلى الثالث من الشهر القادم، وهو موعد انعقاد جلسة مجلس شورى جماعة الإخوان، والذي ستكون أبرز نقاط جدول أعماله، الموقف من الحزب الجديد، خاصة في ظل وجود أصوات ذات سقف متشدد، وغير مرتاحة لموقف المكتب الذي تراه دون مستوى الحدث، وتطالب بإنزال أشد أنواع العقوبات التنظيمية، بمن يقف خلف الحزب الجديد، ولا يقبلون بغير الفصل من الجماعة، على ذات الأساس الذي تم التعامل فيه مع من سبقوهم من الإخوان في زمزم، ولاحقاً جمعية جماعة الإخوان المسلمين.

والخشية هنا أن تجد هذه الأصوات مساحة لها في مجلس الشورى، وآذاناً صاغية، ويكون بالتالي الفصل هو الخيار والقرار، والخشية هنا ليس على من ستقع عليهم عقوبة الفصل، بقدر ما هي خشية على من سيصدر عنهم هذا القرار، وبالتالى على الجماعة برمتها، التي تشهد ظروفاً داخلية وخارجية في غاية الصعوبة، فعلى الصعيد الداخلي نرى النزيف الحاد الذي تتعرض له الجماعة منذ ثلاثة أعوام متتالية، ولم يستطع أحد حتى اللحظة إيقافه للأسف الشديد، وربما كانت ردود الفعل القيادية سبباً في تفاقمه، بل سبباً رئيساً في اتساع الخرق، وسوء الأحوال، وتأزيم المواقف.

وعلى الصعيد الخارجي ما تتعرض له الأمة كافة من مؤمرات تستهدف وجودها ودينها وأوطانها وإنسانها،، وهذا يقتضي بالضرورة التخلص من كل عناصر القوة، والتي تذهب باتجاه تجميع قوى الأمة وشبابها، وإيقاظها، ويأتي على رأس هذه الحركات جماعة الإخوان المسلمين. ولهذا فإن من مصلحة الجماعة أولاً والأمة ثانياً، أن تتعامل بهدوء تام مع هذه المستجدات، وتحرص على الاستفادة منها، وتوظيفها في الاتجاه الصحيح، بعيداً عن التصعيد، الذي يعمق خسارة الجميع، وذهاب هيبتهم، وضياع ما تبقى لهم من احترام وتقدير وقبول لدى الأمة.

فمن المناسب أن تنطلق في تعاملها مع الحزب الجديد من المصلحة العامة، التي كان أصل وجودهم قائماً عليها، ومستنداً إليها، بعيداً عن النظرة التنظيمة الحزبية الضيقة، التي تعكس ضيق النفوس، وحشرجتها، فمن الجميل أن تتعامل معه على أساس التنافس والتكامل في خدمة الأمة والوطن، لا على أساس التنازع والتصارع، فتؤكد الجماعة على أن الحزب الجديد، بوجود هذه الثلة من الشخصيات المعتبرة، والقامات الوطنية الكبيرة، المعروفة بحرصها على الأردن، وصدق انتمائها ونصاعة تاريخها، والذي يشهد لها به على امتداد ساحات الوطن كله، أنه سيكون بالتأكيد إضافة كبيرة على طريق الإصلاح، وتصحيح مسيرته، وأنه سيشكل مظلة لشخصيات وطنية، كثير عددها، مهم حضورها، وضروري تنظيم صفوفها وجهودها، وأن الأمل معقود على أمثال هؤلاء الذين آثروا أن يخوضوا ساحات العمل وميادين الإصلاح، ولا ينتظر من أمثال هؤلاء إلا رفداً للمسيرة، وعوناً على أداء الأمانة، وحمل أعبائها.

وعدم فتح جبهات متوترة مع الحزب الجديد، تستنزف الجهود والأوقات، وتضيع فرصة الاستفادة من الجميع، وتعمل على تضييق الفجوات، وتجسير الهوة، ففي الوقت الذي تحرص فيه الجماعة على فتح قنوات الحوار، وصنع التحالفات، مع الجميع، فلا يليق بها أن تضيق ذرعاً بمجموعة من رموزها اختطوا لأنفسهم خياراً سياسياً، بغض النظر عن السبب الذي دعاهم لمثل هذا الأمر، فلا أقل من احترام خيارهم، ومد اليد إليهم، والتأكيد على أن ساحة الوطن أكبر من التنظيمات والأشخاص على حد سواء، وأنها تستوعب الجميع، وبحاجة لجهود الجميع والتعاون معهم.

ومن التساؤلات التي كانت محل استهجان عند كثيرين من الغيورين على الأمة والوطن في ظل هذه الظروف الصعبة، والتي شهدت ميلاد التحالف الوطني للإصلاح لخوض الانتخابات النيابية الأردنية السابقة، لماذا لم يتم التواصل مع حزب "زمزم" لهذه الغاية، في الوقت الذي تم التواصل فيه مع الجميع، بدون استثناء، وكم ستكون الخطوة كبيرة ومقدرة، لو أن التواصل حصل، فلا يجوز أن يتحول الاختلاف إلى قطيعة، وهذا الأمر ممكن في ظل الكبار الذين يحملون نفوساً كبيرة، تستوقفهم الهموم العامة، ويعملون على هديها.

فالمطلوب باعتقادي مزيداً من الحوار، وتوظيف الأحداث، وتحويل ما يراه الآخرون محناً إلى منح، وانشقاقات وقطيعة إلى تواصل حقيقي، وصراعاً إلى مزيد من الهدوء والتعاون، هذا الأمر إن حصل سيصب بالتأكيد أولاً في مصلحة الجماعة، ويقوي من صفها، ويعظم من موقفها، وهي اليوم بحاجة ماسة إلى ترميم صورتها، وتقوية جبهتها الداخلية، ولا يكون ذلك إلا بالردود التي تضعها في مصاف الجماعات الوطنية الكبيرة، التي تقدم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.