شعار قسم مدونات

الطائفية السوداء القادمة

blog الطائفية

إن الاتجاه الذي يبدو واضحا في سوريا، هو اتجاه الانقسام الطائفي/ العرقي المركّب، وهو الطريق الذي يصل مع تهجير سكان داريا وأخواتها، بعد الخالدية والوعر، والقصير والزبداني، ومضايا إلى حدوده القصوى وغاياته الأبعد.

وما تتم صياغته دولياً على أنه "تسوية" سياسية، ليس إلا دفعاً للانقسام السوري نحو أبعد مدى ممكن، وتثبيته بالحماية وإنشاء مناطق النفوذ، وهو ما يجعل التسوية مفتقدة لأدنى درجات العدل، بل مساهمة دولية، وبوقاحة غريبة في دعم نظام الإبادة الجماعية، لتجعل منه الصورة الوحيدة لسوريا القادمة.

إن القاسم المشترك بين جميع الطوائف والأعراق في سوريا هو "الهزيمة"، لكن التفاضل في الهزائم يحمل فروقات كبيرة بين تلك الطوائف والأعراق، ومع أنه لا يجعل من أحد رابحا، إلا أن حجم الهزيمة وحجم الخسائر يتناسب طرداً مع التعصب الطائفي وتوليد الطائفية المبنية سابقا بمنهجية، مثلما يتناسب عكسا مع استحالة التعايش فيما بعد.

إن القاسم المشترك بين جميع الطوائف والأعراق في سوريا هو "الهزيمة"، لكن التفاضل في الهزائم يحمل فروقات كبيرة بين تلك الطوائف والأعراق

لم تكن الطائفية في سوريا حقيقية وليس لها أي وجود موضوعي إنما هي صناعة سياسية. لكن حجم العنف والدموية التي تشهدها سوريا، يهمش التفكير العقلاني تماماً ويجعل الطائفية هي القشة التي يتمسك بها الغريق، كما أن الرعاية الدولية للعنف الممارس في سوريا، تساعد على بلورة هذا النظام الطائفي، في فرض طائفيته السوداء على الجميع، وتقف عائقا في وجه أي حل عادل للقضية السورية.

لكن الخطورة المتأتية عن التهجير الطائفي والعرقي، تكمن في نقل الطائفية من حيز القوى السياسية والعسكرية المسيطرة بشكل عام، إلى الحيز الشعبي والمجتمعي الأوسع، وتبني ذاكرة قهرية عمادها الانتقام وعدم القدرة على المسامحة والتعايش مستقبلا، وينقل العداء من عداء سياسي فوقي إلى عداء وجودي متجذر لتصبح العداوة هي السياسة، والسياسة هي العداء والنفي وبناء الذات الطائفية سياسيا.

والواضح أن ثلاث فضاءات طائفية سورية رئيسية باتت شبه مكتملة على الأقل فكريا، يتشارك هذه الفضاءات كل من السنة والعلوييون والأكراد، وهي حاضنة لثلاث مظلوميات تبني جدران فصل حول نفسها، وتفتعل صدوعا غير قابلة للرأب بين بعضها البعض.

كما تؤسس لصراعات عنيفة ومديدة ومركبة مستقبلا. وتسميتها "مظلوميات" ليس استناداً إلى الظلم الذي كان أكثر من تعرض له خلال السنوات الخمس الماضية هم السنّة، بل استناداً للنظرة الذاتية لكل من تلك المجموعات إلى نفسها، واستناداً للخسارات البشرية الكبيرة، بالقياس للحجم الديمغرافي، لكل منها دفاعاً عن ذاتها، واستناداً في المحصلة للعداء المتنامي والمتراكب طائفياً وإثنياً ودينياً وسياسياً بينها.

كما أن الطوائف الأخرى كالمسيحيين والدروز والإسماعيليين والمراشدة والآشوريون والسريان وغيرهم ليسوا بمعزل عن هذه الأجواء، ولا عن تلك الخريطة الثلاثية بما فيها من مظلومية وعداء وصراع مستمر، لكن العنف هو ما يصنع الواقع ويرسم فضاءه في سوريا اليوم، وأقصى درجات العنف الذي يترافق مع التهجير والتطهير العرقي والطائفي، هو ما تتعرض له الطوائف الثلاث المذكورة بشكل خاص.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.