قلبان جمعهما شيء في يوم من الأيام، تآلفا، تواصلا، تحابّا، تواعدا، تخاصما، تصالحا، تواعدا مرة أخرى، ناقشا مكان السكن بعد الزفاف، وقررا أن حفل الزفاف سيكون صغيرا لكي لا يرهقا جيوبهما الفتية..

اختارا أسماء أبنائها المستقبليين، تبادلا الهدايا، تقاسما الضغط والحزن وثقل الحياة، تشاركا الفرح والسرور، مسح دمعتها وربتت على كتفه وقت المحن، ضحكا معا، تخاصما مرة أخرى، ثم تصالحا للمرة العشرين بعد المائة، حضرت حفل تخرجه، وساعدها في تحضير امتحاناتها..

عادته عندما كان طريح الفراش في المستشفى وساعدها على الحصول على وظيفة بعد تخرجها هي الأخرى، تقاسما الحلم والحقيقة، صارا جسدين تسكنهما روح واحدة، أرسلا نفس مضمون الرسالة في نفس الوقت، ضحكا على نكت تافهة وأخرى أقل تفاهة، تحدثا في الهاتف حتى الصباح، حكت له عن عقدها ومخاوفها، حكى لها عن مخاوفه وآماله، تعرفت على كل أفراد أسرته بالصورة والاسم وهو كذلك.

يضحك على لكنتها الغريبة وتذكره دائما بجوربه المثقوب الذي بدا لها واضحا عندما كان في محل الأحذية يريد أن يشتري حذاء.

باعت سوارها الذهبي لتساعده لأنه مر بمحنة، باع ساعته ليشتري لها هدية يوم تخرجها، تعرف عطره المفضل ولونه المفضل وفريقه المفضل وصديقه المفضل، واسم أمه واللقب الذي تطلقه عليه، يعرف تقلباتها وحجم الحزن والفرح في مقلتيها.

تستيقظ على صوته، ويستيقظ على صورتها وهي تضحك ملء شدقيها. ذهبا إلى السينما سوية وإلى المكتبة وإلى المول وإلى الملعب وإلى سوق الخضرة وإلى بائع السندويتشات الرخيصة.

يجيد لغتها السومرية وهي كذلك. يملك كل منهما شفرة الآخر ونبض الآخر وقلب الآخر. وكأنهما حبة فول وانشطرت، وكأنهما خلقا لبعض.

يأتي يوم وشيء آخر يفرقهما مثل ما جاء شيء وجمعهما في البداية، فيصيران غريبين كأنهما لا يعرفان بعضهما ولم يلتقيا مطلقا.

ولكن التقدير الذي كان في الماضي لن يزول، لأنه كان ابن ناس وكانت بنت ناس، لم يخونا ولم يكذبا، كان كل شيء بينهما حقيقة، حتى المزاح كان حقيقة، لكن الحياة لها الكلمة الأخيرة في كل شيء وحتى في الأحلام، قلبها يريد وقلبه يريد والقدر يفعل مايريد.

سألته يوما قبل الفراق "إن لم يكن حبنا سيتوج بقران أبدي، فلماذا التقينا، لماذا كان لزاما علينا أن نلتقي ونحب ونبني قلاعا وحصونا يظهر في الأخير أنها رمال تنهار مع أول موجة عالية بعدما كانت تعيش بهناء على إيقاع المد والجزر؟" أجابها "لا أعرف" ثم افترقا للأبد.

ليس مهما كيف افترقا. العشاق الذين افترقوا على مر العصور أكثر بكثير من أولئك الذين أكملوا حتى النهاية.

عَلِما في ما بعد أنهما التقيا لغاية في نفس القدر أخفاها. غيّرها للأفضل، فتغير للأفضل هو كذلك.

كانا لبعضهما كالحمى التي تطهر الجسد، كالصوم الذي يهذب النفس، كالضغط الذي يصنع لآلىء وياقوت في أعماق المحيطات، كشعاع بعد ليلة غيماء ممطرة، كالحزن الذي يرقى بصاحبه، كوجع الولادة الذي يخرج صبيا إلى الوجود، ككسر أعوج كان يجب أن يكسر مرتين كي يشفى، كمرآة صافية تكشف الحقائق كان يجب أن يريا فيها نفسيهما معا ليتعلما العديد من الأشياء، ليفهما أن الصمت فصيح أكثر من الكلام، وأن الحزن ليس من الضروري أن يكون سيئا وأن الفرح ليس خالدا وأن العطاء منع والمنع عطاء. تعلما أن لا الحزن دائم ولا الفرح دائم وأن الذكرى هي الحياة.

كان لزاما أن يلتقيا ويحبا ويحلما ويفترقا. جمعهما القدر وفرقهما ليتعلما قيمة الأشياء. فيهما شيء لن يفترق لأنه كان حقيقيا، لكنهما لن يلتقيا أبدا.