شعار قسم مدونات

ما أشبه اليوم بالأمس

blogs - soldiers

في عام 1099م وصلت جيوش الحملة الفرنجية (الصليبية) الأولى إلى أسوار بيت المقدس، هذه الجيوش التي خرجت تلبية لنداء المؤسسة البابوية في أوروبا اجتاحت بلاد الشرق محدثةً الفظائع والمذابح في سكانها من مسلمين وغيرهم.
 

وقد تتوجت هذه الحملة الإفرنجية باحتلال بيت المقدس وإخلائه من سكانه ذبحاً وتهجيراً، لكن علينا أن نتساءل كيف استطاع الغزاة القادمون من غرب أوروبا تحقيق تلك النجاحات والانتصارات في تلك الفترة الزمنية القصيرة، ولماذا لم تكن المواجهة الإسلامية لصد هذا الهجوم أو على الأقل إعاقته بالمستوى المطلوب، والجواب على هذا التساؤل أبسط مما نتصور.
 

علينا أن نعترف أن نكباتنا هي صنيع أيدينا، وأن ما يحل بالعالم العربي والإسلامي منذ قرون إلى الآن إنما هو من نتاج نجاح وإنجاح المستعمر في إيجاد كل أنواع الشقاق والفرقة بين الأمتين العربية والإسلامية.

ولكي نرى أحوال المسلمين السياسية والاجتماعية في تلك الفترة التاريخية، فما علينا إلا أن ننظر حولنا، وبعبارة أدق، حال المسلمين في هذه الأيام لم يختلف كثيراً عن حالهم قُبيل مجيء الفرنجة لاحتلال ديارهم ومقدساتهم، فبنظرة سريعة على حال العالم الإسلامي عشية عام 1099م، نرى أن حالة من التصدع والصراع والنزاعات العرقية والطائفية والسياسية كانت سيدة الموقف.
 

وكل كيان إسلامي يحاول بكل ما أوتي من قوة الحفاظ على أرضة وممتلكاته من خلال التنازع مع الكيان الآخر حتى ولو من خلال اللجوء إلى الأعداء لتحصيل النصرة والمعاونة ضد إخوانه المسلمين، ومن المعلوم أن العالم الإسلامي كان يُحكم في تلك الفترة من خلال الدولة العباسية -فاقدة السلطة الفعلية-، والدولة الفاطمية الإسماعلية في مصر، كما كان هناك عددٌ من الدول والدويلات ذو النزعات الانفصالية والتي كانت تدين بالولاء إما للدولة العباسية أو الفاطمية.

في خضم هذا الصراع والتنازع بين مكونات العالم الإسلامي، وجد الفرنجة طريقاً معبداً ومسالكاً كي يمروا به وصولاً لهدفهم الأول وهو بيت المقدس، ومما زاد الطين بلة، أن أطرافاً من المكون الإسلامي تتطوعوا وبكامل إرادتهم للتحالف مع الفرنجة -وأقصد هنا الدولة الفاطمية- ضد السلاجقة الذين كانوا يحكمون فعلياً الدول العباسية.
 

وعرضوا بكل وقاحة مشروع التحالف القائم على تقسيم بلاد الشام بينهم وبين الصليبيين بحيث بأخذ الفرنجة شمال بلاد الشام ويأخذ الفاطميون جنوبه ومن ضمنه بيت المقدس، وبذلك يضمن الفاطميون حاجزاً إفرنجياً بينهم وبين السلاجقة المسلمين الذين كانوا يُعتبرون الأعداء التقليدين للدولة الفاطمية.
 

أمام هذا الضعف والتشرذم من جانب المسلمين في مقابل هدف واضح وتصميم وعزيمة من قبل الفرنجة، استطاع الفرنجة أن يستغلوا كل الظروف لصالحهم، واستطاعوا احتلال بلاد المسلمين إلى ما يقارب 200 عام. بل على العكس، عملوا بكل جهد واجتهاد على أن تبقى الساحة الإسلامية مجزئة ومتشرذمة وفي صراع دائم.

إذن، علينا أن نعترف وبعد هذه السنين أن نكباتنا هي صنيع أيدينا، وأن ما يحل بالعالم العربي والإسلامي منذ قرون إلى الآن إنما هو من نتاج نجاح وإنجاح المستعمر في إيجاد كل أنواع الشقاق والفرقة بين الأمتين العربية والإسلامية. بدءاً من تقسيم المسلمين عرقياً مروراً بالطائفية وقبل ذلك تقسيمهم جغرافياً ومن ثم دفعهم للاقتتال فيما بينهم على هذه الأسس.
 

أخيراً، على العرب والمسلمين في أيامنا هذه أن يتعلموا من دروس التاريخ حتى لا ينطبق عليهم المثل: من جرب المجرب فعقله مخرب.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.