شعار قسم مدونات

وقفة على قبر كبير

blogs - grave

أبي:
أنا والصّباحُ والورودُ الغافياتُ على قبرك..
مؤمنون بأنك حاضرٌ فينا
ماءُ عمري وترابُ قبرك، عاملان متكاملان لصياغة ربيعٍ جديد
الماءُ منّي، ومنك التراب
ومن قلبينا.. إذنٌ للغصن الرطيبِ بالانطلاق

أنا على أقلّ تقديرٍ..
كأصغر شجرةِ زيتونٍ تركتها في حقلك الأخضر
إن لم يثقلني الثمرُ.. ففي أوراقي سبحة جمالٍ للعيون
فانظرْ إلى ثمري إذا أثمر.. وينعي 
أنا على أقلّ تقديرٍ..
كحبّةِ ترابٍ لامستْ حرَّ قدميك..
أغلّ يدي إلى عنقي.. وأقبضها على آخر ما بقي فيها من الماء
لأبسطها بالحسنى إلى الجذور الممتدّة في أوقات الناس

أنا الذي أعلنت الثورة على القصائد الوضعيّة فاتّهموني بالإرهاب، وعلى العبارات الحريرية فقالوا: إن قلبي من حديد.

أيّها الواقف على قصائدي..
تصرّفُ أوزانَها بعصا موسى.. غير أنّ سحرك حاضر
الطّويلُ والبسيطُ والكاملُ والوافرُ..
وبحور الخليل الباقيات
لا تعدل عندي قطرةً رشفتها حروفي من كأسك الخالد
أيّها الحيّ في كلماتي
كلماتي.. التي مازال فيها امتداداتٌ لتلاوتك النديّة في صباحاتك الجميلة
بيني وبين عوامل الأغيار معركةٌ تدور
أنسحب منها لأتحيّز إليك
فأنت فئتي.. وحضوري لديك استراحة محاربٍ ليس إلا
أبي: ماذا تعرف عنّي؟
ها أنذا أكتب للعالمين.. فهل قرأت آخر أعمالي؟

الحداثيّون..
يطلبون مني أن أتحول عنّي.. فماذا تقول؟
يريدون منّي أن أنهزم أمامي.. فماذا ترى؟
يريدون منّي أن أتحوّل عن قبلة شهودي.. لأشهدَ قبلتَهم
ولكن لِيطمئنّ قلبُك.. فأنا الذي يعرف ذاته
أنا زيتونةٌ مباركةٌ لا شرقيّةٌ ولا غربيّة
أشربُ من ماء القرآن
فيكاد زيتي يضيءُ ولو لم تمسسْه نار
أنا الورقةُ الخضراء
ولم يعدني الحداثيّون بغير الخريف
فهل أملكُ غيرَ السّقوط؟

أنت وحدك.. أنت
تريدني أن أظلّ كداليةٍ في كرمك الجميل
لها فضاءٌ من أمل
ولكنّها لا تنكر أرضها وترابَها
تؤتي أكلها كلّ حينٍ بإذن الله..
أبي: أنا لم أخلع ثيابي.. ولهذا غضب عليّ العراة
وأنا الذي أعلنت الثورة على القصائد الوضعيّة
فاتّهموني بالإرهاب
وعلى العبارات الحريريّة
فقالوا: إنّ قلبي من حديد
وأنا الذي رغبت عن أطباق الحلوى
التي صنعها لنا القادمون من وراء البحار
ومن دم شعبي
وغنّيتُ لملح خبزي
الذي فيه امتداد لعرق جبينك وأنت تعالج الغراس الواعدة
ثمّ لدموع المعتقلات والعيون..
 

أنا من يقول لأهل الإيمان: قضاء الله فينا أن نكون قضاءه في أرضه، وقدره فينا أن نكون قدره في القلوب، فاقرؤوا سر القضاء والقدر.

وأنا الذي لم يوقد لفرعون على الطين
فلحقني بخيله ورجله
أنا الشمس.. وهم يريدون منّي أن أغيب
لتدور كؤوسهم من جديد
وليمارسوا طقوسهم القديمة
وليعيشوا لياليهم الحمراء
وأنا أقابلهم بكأسي
كأسي من نوعٍ آخر.. كلّ ما فيها قطراتٌ من "براءة"
وأجمعوا أمرهم لكي يلقوني في غيابات ظلّهم
لكنّ "يوسف" في فؤادي حاضر
وها هم الملأ يأتمرون بي ليخرجوني من دائرة إيماني
وأنا الذي تعلّمت منك فقهَ الانتماء
يريدون أن يجعلوا من شعري بضاعةً مزجاة
لا كيل لي في سوق الصّالحين

وأنا وحدي أنا..
من أذّن في العير (إنّكم لسارقون)
يريدون منّي أن أبتعد عنك
وأنا امتدادٌ لك
موتُك أول عمري
عرقُ جبينك وأنت تحاورُ أغصان الزيتون في الهاجرة
مبتدأٌ لحبري
طِبْ خاطراً
(والبلدُ الطّيب يخرجُ نباتُه بإذن ربّه..)

أبي:
الحداثيّون.. يتّهمونني بحبّ الله
وأنا الذي لا يسأل الله البراءة
أبي: أنا من يقول لأهل الإيمان
قضاء الله فينا.. أن نكون قضاءه في أرضه
وقدره فينا.. أن نكون قدره في القلوب
فاقرؤوا سرّ القضاء والقدر.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.