شعار قسم مدونات

ترامب يكشف عوراتنا

Republican presidential nominee Donald Trump speaks at a campaign event in Cedar Rapids, Iowa, U.S. October 28, 2016. REUTERS/Carlo Allegri TPX IMAGES OF THE DAY

رغم المفاجآت التي حملها فوز ترامب، والجدل حول مستقبل علاقاته مع منطقنا، إلا أنه كشف الكثير من عوراتنا السياسية والفكرية والثقافية:

 

فأول عوراتنا التي ظهرت بمجرد فوز ترامب: سطحية تفكيرنا وسذاجتنا في تقدير الأمور والحكم عليها، وأخطر مظاهر هذه العورة، ما يتوقعه البعض من أن فوز ترامب سيؤدي إلى تفكك الولايات المتحدة الأمريكية، وكأن هؤلاء السطحيين يفسرون الأمور كما يحلمون، وكما يتمنون. وليس حسبما تقتضيه الدراسة المنهجية الواقعية. فلا بضعة مظاهرات ولا احتجاجات أو هتافات هنا أو هناك ستفكك دولة بهذه المؤسسية، وبهذه القوة المادية والاقتصادية والعسكرية-بالمناسبة-"أمريكا فيها أكثر من 11000 بيت خبرة، منها أكثر من 450 متخصصا في دراسة الشرق الأوسط والإسلام، ليس لدينا بيت خبرة واحد لدراسة وفهم أمريكا" (نصر عارف). والأهم أنها تحترم مواطنيها وكرامتهم وهم مصدر قوتها.

 

وهذه العورة تتلوها عورة ثانية مكشوفة من قبل، وسلط الضوء عليها فوز ترامب: تلكم أحلامنا بتحقيق انتصاراتنا على أيدي غيرنا، وتحرير فلسطين. فبعضنا يحلم أن تهزم أمريكا التي تدعم إسرائيل وتتفكك، فتهزم إسرائيل ونرتاح من شرها، وقد أيقظ فوز ترامب في بعضنا هذا الحلم. وهذا مؤشر على مستوى فهمنا لسنن الله في الأنفس والآفاق، وعلى مستوى استعداد البعض للتضحية من أجل ودينه ووطنه.

 

أما عورتنا الثالثة التي تمنيت لو سترناها ولم يفضحها فوز ترامب، فهي أننا نتصور فرقا كبيرا بين ترامب وهيلاري في التعامل مع قضايانا وبلداننا، وننسى مؤسسية الحكم في هاتيك الديار، وهامشية التأثير الفردي للأشخاص، في نظامهم السياسي، بل وننسى أثر اللوبي الصهيوني في مؤسسات الحكم هناك، وننسى خيبتنا، وعدم قدرتنا على التأثير في هؤلاء رغم أموالنا التي ننفقها هناك ومصالحهم التي نحققها لهم، ولكن بلا أية أثمان ولا أوزان.

 

عورتنا الأشد وضوحا فهي الفرق بين إنساننا وإنسانهم، بين احترام دولنا لمواطنيها وإرادتهم، وبين احترام هؤلاء لمواطنيهم، بين قيمة الحرية عندنا وقيمة الحرية عندهم

أما رابع عوراتنا فهشاشة أنظمتنا السياسية، ومدى ارتهانها لعقد كثيرة منها: التبعية للغرب وتحديدا أمريكا، وارتهان وجود هذه الأنظمة بالحبل السُّرِّي الأمريكي، ولعل هذه من العورات المكشوفة لكثير منا، ولكن إصرار ترامب على أن تدفع دولنا وعلى وجه التحديد بعض دول الخليج، ثمن الحماية الأمريكية لها، وضرورة أن تسدد هذه الدول الدين الداخلي لأمريكا، لأن هذه الدول موجودة بفعل الحماية الأمريكية. المشكلة ليست في أن ترامب قال، ولكنها في أن دولنا سكتت، بل كانت تحلم أن تفوز هيلاري، لعلها ترفع عنهم الحرج، وسيف السداد، وإثقال الموازنات، خاصة إذا ضمّ لذلك تنفيذ قانون جاستا. ولست أستبعد أن تدفع دولنا لترامب ما يريد.

 

أما خامس ما كشفه فوز ترامب من آفاتنا، فهو غيابنا عن الفعل، بل وحتى رد الفعل، وانتظارنا الجزار، وهذا ذكرني بحال أمتنا أيام المغول والتتار، عندما كان يجمع الجندي التتري الرجال من المسلمين في طابور واحد، فينتظر كل منهم دوره في القتل، دون أن يحرك ساكنا، أو حتى أن يدافع عن نفسه، فيذبحهم ذبح النعاج، بل حدث أن أحدهم نسي سيفه، فأمر(الرجال) أن ينتظروه ليعود إليهم بالقتل، فوجدهم لم يتحركوا ولا حتى لم يهربوا بجلدهم. أليس هذا حال دولنا، وحركاتنا الإسلامية والعلمانية، ونخبنا ومثقفينا. كلنا ننتظر كيف سيسلم ترامب سوريا لروسيا، وكيف سيأخذ ترامب أموالنا، وكيف سيسمنا بالإرهاب، وكيف سيناصر جلادينا، ولا نرى أو نسمع حراكا في أي اتجاه، ولو بناء بعض جدران الرمل للدفاع عن ذواتنا.

 

أما عورتنا الأشد وضوحا فهي الفرق بين إنساننا وإنسانهم، بين احترام دولنا لمواطنيها وإرادتهم، وبين احترام هؤلاء لمواطنيهم، بين قيمة الحرية عندنا وقيمة الحرية عندهم، بين الديمقراطية ومؤسساتها في بلادهم، ولا أمل أن أدعي الديمقراطية ومؤسساتها في ديارنا (الحلم السراب). فرغم كل الاختلاف والصخب بين هيلاري وترامب، ورغم التهم والتهم المتبادلة، عند النتيجة التسليم للفائز والقابلية للعمل معه والتعاون في سبيل رفعة وطنهم، وحراسة قيمهم، وانتقال سلمي مؤسسي للسلطة. وهو ما لا تملك إلا أن تحترمه، وترفع له القبعة. أما نحن فلا أملك أن أعدد ما لدينا، فواقع الحال يغني عن كل مقال، فلدينا السيسي ولدينا بشار، ولدينا نوري المالكي والعبادي. وأخشى إن تابعت مقالي ألا أجد ورقة توت تستر ما ينبغي أن يستر. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ساتر العورات وكاشف الكربات.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.