شعار قسم مدونات

خوف الحروف

اللغة العربية

اشتكتْ لي الأحرف من سقوطها المدوي على عتباتِ شفاه متحدثين كثيرين، فإحساسي بجراحات اللغة العربية وقد أصيبتْ بخيبة أملٍ من السواد الأعظم في أمة العرب، جعلتني أستهجن من أن يكون المنصوب مرفوعا وأتعجبُ أشد العجب من أن يجعل البعض المجرور مفتوحا…!فما أبشع خوف الحروف من ألسنة القائلين،ما أبشع أن أستشعر خوفها بآلا ينطقُ بها الناطقون نطقًا يُراعي حرمة وقدسية النحو والصرف…!!

ليتَ كل متحدثٍ متحدثْ، وليتَ كل صحفيٍ صحفي ،وليتَ كل من يُطلق على نفسه مميز مميز، شتان بين الأوصاف التي نطلقها على أنفسنا وبين واقع قدراتِ السواد الأعظم منا…!

إنها العشوائية التي تقودنا إلى الخلط بين الغث والسمين، بل وإعطاء الغث فرصةً يصعدُ بها على أكتاف السمين، نادرون من يُولون الحركات أهميةً في كتاباتهم الصحفية، والأندر منهم من يقوِمُون ألسنتهم باستمرار،عبرالاستعانة بأحرفٍ من النور، أحرف القرآن الكريم بالطبع؛ فمن أدمنَ تلاوته سُهلَ عليه تشكيل نصه تشكيلاً سليمًا، بل وسُهلّ عليه أن يتحدث بطلاقة، أليس بداية العلم والتميز من الذكر الحكيم؟؟

من واقعِ إهمال اللغة وتراجع الأداء اللغوي للكثير من الإعلاميين العرب، فإنني أستهجن وجود مدقق لغوي في المؤسسات الإعلامية، والأحرى أن يحمل كل إعلامي موسوعة لغوية في عقله، فيتصفح أمهات كتب اللغة والنحو والصرف، ويقرأ الأدب والروايات، كشرط أساسي من شروط التميز، إن أحبّ أن تكون له بصمة وأن يُشار إليه بالبنان..

اجتهاد  الإعلامي لاكتساب  لغةٍ سليمة هي أول خطوات النجاح فلا نجاح لمن لا يملك لغةً سليمة

تخطئ الكثير من المؤسسات الإعلامية حين تعتمدَ نهج التساهل مع المتساهلين مع اللغة، الذين يسيئون إليها كل يوم دون أن يشعروا بذلك، بل يعدون إساءتهم أمرا طبيعيا في ظل ترهلِ الإلمام بها، وعدم التأسيس الجيد في المدارس والجامعات مع يقيني بأن الدراسة الأكاديمية لا تُعطي الكثير من لبنات الإبداع، فالأخيرة تأتي عبر التجارب والخبرات والممارسة، ولهذا فإن الإجتهاد من أجل لغةٍ سليمة يُعد في نظري أول خطوات النجاح،فلا نجاح لمن لا يملك لغةً سليمة..

باستطاعة ضعيف اللغة، أن يخدعَ أمثاله من الضعفاء،لكن ضعفه لن يمر مرور الكرام على المتمرسين، وبهذا لن يتبوأ مكانًا أفضل بل سيبقى أسيرًا للفرصةِ التي أُعطيتْ له بناءً على محدودية قدراته.

ذلك لأن المنافسة الشرسة تتطلبُ سلامة السليقة ولسانًا نظيفًا من الأخطاء، ومخارج صحيحة للحروف، فهي أساس الحضور الإعلامي للعاملين في وسائل الإعلام لاسيما الإذاعية والتلفزيونية تأتي بعد سلامة اللغة ،الطلاقة وقوة الإسترسال في الطرح مع شيءٍ من الإرتجال الذي ينمُ عن تميزٍ متقنٍ وأداءٍ يُعطي الإعلامي نقاطًا إيجابية تُضافُ إلى سجلِ حضوره فيجعله آخاذًا للعقول جذابًا لانتباه الحضور والمشاهدين..

يُعجبني العمالقة الذين يستفزهم وجع الحروف،ويسنتهضُ شهامتهم ليدافعوا عن نزفِ جراحاتها، بعد أن تكسرتْ على شفاه قائلين لا ناقة لهم ولا بعير.

تعجبني استماتتهم لأن تبقى للغة هيبتها، وللعروبةِ وزنها، وللهويةِ حضورها ولا أصدق من أن يُعبروا عن ذلك كله إلا عبر قوة خطابهم الإعلامي، بحيث يكونُ خطابًا نقيًا من الأخطاء، يُجسدُ عذوبةَ القرآن الكريم الذي نزل بلسانٍ عربيٍ مبين فأين ألسنتنا من العروبة ومن النهج المبين؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.