شعار قسم مدونات

غصن الزيتون الأزرق

blogs - Mahmoud Abbas
فلسطين الأم، فلسطين القضية، تلك القصة الكاملة لشعب أراد الحياة رغم ما يعصف به من محتل اغتصب أرضه من جهة وصمت عالم حرّ في أوطانه، سجين أخلاقه التي تغاضت عن مآسيه من جهة أخرى. لكن الأصعب من هذا كله أن تجد أخوة لك تجاهلوا آلامك ناهيك عن من تآمر لمضاعفتها.

بات واضحا كالشمس تخاذل الدول العربية تجاه القضية الأساس -فلسطين-، والتطبيع السياسي والعسكري والأمني مع الكيان الغاصب، والتعمد لإضعاف الفكرة التي تربّت الأجيال عليها متمثلة في الصراع التاريخي، أو ما يسمى بالصراع العربي الإسرائيلي.

المقاومة المسلحة هي الطريق الشرعي لاسترجاع الأرض والحق، إلّا أن السلطة باتت أشبه بزوجة الأب الحقيرة، التي تمارس الترهيب والتشبيح على أفراد يعيشون في ظلّها.

فمنذ إتمام اتفاق وقف إطلاق النار عام 1973 بين العدو الصهيوني من جهة وسوريا ومصر والأردن من جهة أخرى، أجهض ساسة العالم العربي القضية المركزية على الصعيد السياسي، بل وألغوا تاريخها الفكري قبل العسكري.

كما أضحى التطبيع والتواطؤ سِمتان من سمات التطور الأيديولوجي في سياسة الحكومات العربية على الصعيدين المحلي والدولي. لينخرط العدو الصهيوني في الدوائر الضيقة للأنظمة العربية، سيما عسكريا ومخابراتيا وفي قطاع التعليم العام، وهذه الأيديولوجيا السياسية الشاملة تُعبّر عن شكل وطبيعة الأفكار وتعكس مصالح الطبقة الحاكمة، والتي هي بعيدة كل البعد عن طموحات وأهداف الطبقة المحكومة.

جدير بالذكر بعد هذه المقدمة التي تشير إلى التخاذل التام من الأنظمة العربية "الأخوة" تجاه فلسطين، شعبها وتاريخها ونضالها وحقها الشرعي بكامل التراب الوطني، أن دور السلطة الفلسطينية واتفاق "أوسلو" المشؤوم مع الاحتلال هو بمثابة بيع خالص للوطن وللاجئين في الشتات الذين يشكلون ما لا يقل عن 5 مليون لاجئ، وللشهداء والدماء التي سالت في سبيل استرجاع الحق المسلوب.

أما بالنسبة لرجال السلطة فقد عقدوا مع المحتل صداقة، ولكن يبدو أنهم لم يمروا على ميثاق منظمة التحرير التي يدورون في فلكها أو أنهم نسوا تاريخ نضال قاداتهم في العصر الذهبي للثورة الفلسطينية وكفاحها ضد المحتل.

نذكر هنا المادة التاسعة من ميثاق المنظمة الذي تنص على أن: "الكفاح المسلح هو الطريق الوحيد لتحرير فلسطين وهو بذلك استراتيجية وليس تكتيكا، ويؤكد الشعب العربي الفلسطيني تصميمه المطلق وعزمه الثابت على متابعة الكفاح المسلح والسير قدما نحو الثورة الشعبية المسلحة لتحرير وطنه والعودة إليه وعن حقه في الحياة الطبيعية فيه وممارسة حق تقرير مصيره فيه والسيادة عليه".

قراءة الوضع الحالي للسلطة تشير إلى أنها بُعيد حد السماء عن هذه المادة وغيرها من المواد التي تنص على أن المقاومة المسلحة هي الطريق الشرعي لاسترجاع الأرض والحق، إلّا أن السلطة باتت أشبه بزوجة الأب الحقيرة، التي تمارس الترهيب والتشبيح على أفراد يعيشون في ظلّها. باتت تطاردهم إمّا باعتقال المقاومين في الضفة أو ملاحقة النشطاء؛ حتى أولئك الذين يغردون عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كما وفرضت طوقا أمنيا خانقا على قطاع غزة، الأمر الذي عزز عواملا لا تشير إلا إلى انفجار شعبي للشارعين في الضفة وغزة.

نحن الفلسطينيون تمثلنا بندقية التحرير فلا حمامة سلام عوراء أتت ببعض السلام إلى بلادنا ولا غصن زيتون شاح لونه الأخضر ليصبح أزرق.

في كل خطاب لرئيس السلطة "المناضل الثابت على الثوابت" تجد من الاستسلام ما يلغي أي حق لأصحاب الأرض في المقاومة وتحرمه وتجرمه وتحتقره بل وتسمح ضمنيا للصهيوني في التمادي بغطرسته. هذه السطور تكاد لا تكفي ولا تفي بالغرض، فالمنظمة انحدرت 360 درجة عن أهدافها الرئيسة، والآتي على ما يبدو أعظم…

في هذا المقام لا ننسى ما صارت عليه الحركات التحررية والأحزاب اليسارية والقومية وانخراطها في الدوامة الطائفية التي بعُدت عن إطارها المعروف بالمقاومة وتبنيها للشعار الذي رفعته زعمًا "يا قدس إنا قادمون"، فكلٌ انغمس في وحل المذهبية.

أمّا غزة، مقاومة وشعبا، رجالا ونساء، شيبا وشبانا، لا تزال كما عهدناها، البقعة الجغرافية الوحيدة الصادقة في كل أرجاء المعمورة، التي جسّدت ولا تزال المقاومة الفلسطينية الصامدة، التي تقود رأس حربة هذا الصراع.

ببساطة تامة، لم يعد هناك أي عقبة في وجود الكيان الصهيوني سوى لاجئي الشتات والمقاومة الفلسطينية الصادقة، وشعوبٍ ضاقت ذرعا بحكامها فلم تملك من أمرها شيئًا سوى الشجب. فمن هنا انطلقت كل أشكال وحملات التهجير والتوطين وتشويه التاريخ الفلسطيني، وذلك بمساعدة الأنظمة العربية المرهونة للاحتلال والمغموسة من الرأس حتى أخمص القدمين بالخيانة.

نحن الفلسطينيون تمثلنا بندقية التحرير فلا حمامة سلام عوراء أتت ببعض السلام إلى بلادنا ولا غصن زيتون شاح لونه الأخضر ليصبح أزرق يتماشى مع سياسات علم المحتل الأزرق.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.