شعار قسم مدونات

الوحدة من أجل قرن أسيوي

Boats travel on a river in Yangon, Myanmar, 04 July 2016. The Asian Development Outlook 2016, published in March 2016 by the Asian Development Bank (ADB), forcasts that Myanmar's economy will grow at 8.4 percent in the fiscal year 2016-2017, and 8.3 percent in the fiscal year 2017-2018 after slowing to 7.2 percent due to devastating floods and landslides during 2015-2016.

ليس ثمة شك في أن موقف قارة آسيا في الاقتصاد العالمي أقوى من أي وقت مضى فالقارة تنتج حاليا قرابة 40 % من الناتج المحلي الإجمالي في العالم وهذا القياس طبقا لتكافؤ القوة الشرائية وخلال الأزمة الاقتصادية الأخيرة، كانت آسيا مسؤولة عن أكثر من نصف نمو الناتج المحلي الإجمالي عالميا وبالإضافة إلى هذا يوجد هذا العدد الضخم من السكان والتأثير السياسي المتنامي وقد بدت آسيا مؤخرا مستعدة للقيادة على الساحة العالمية التي هيمن عليها الغرب لفترة طويلة.

 

أفضل طريقة لبدء هذه العملية هي تحديد مجالات يمكن للإقليم أن يكسب فيها أكثر في حالة التكامل واتخاذ خطوات من شأنها أن يكون لها عوائد سريعة

لكن من المبكر جدا الشعور بنشوة النصر فالولايات المتحدة وأوروبا مازالتا تحافظان على تقدمهما فيما يتعلق بالتأثير الاستراتيجي العالمي في حين أن الدول الأسيوية تواجه تحديات سياسية واقتصادية وأمنية كبرى.

 

وفي الحقيقة فإن زخم النمو الأسيوي يشهد تراجعا فالصين تبذل جهودا كبيرة من أجل التحكم بالاقتصاد بشكل سلس في أعقاب عقود من التوسع السريع، في حين تنشغل اليابان بالهرب من تباطؤ النمو والتعامل مع شيخوخة السكان. أما القوى الاقتصادية الأخرى في القارة – الهند وإندونيسيا وكوريا الجنوبية – فتواجه كل منها مجموعة من المشاكل الاقتصادية والسياسية الخاصة بها وفي أنحاء الإقليم، فإن تزايد عدم المساواة في الدخل وعدم الاستقرار المالي وتدهور البيئة تعرقل التنمية.

 

والأكثر صعوبة هو أنه على الرغم من الترابط الشديد، فإن دول القارة تكافح للعمل بصورة جماعية فالتنافس المستمر بين القوى والاستياء التاريخي والنزاعات الإقليمية بالإضافة إلى الفوارق المعلنة والواضحة في القوة الاقتصادية والعسكرية تخلق عقبات كبيرة أمام الوحدة وقد فاقمت الزيادة الأخيرة في السلوك العدائي الذي تمارسه الصين وإعادة إحياء القومية في الهند والتوجه نحو النزعة المحافظة في اليابان من هذه التحديات.

 

لكن، في الوقت الذي تمضي فيه الدول الغربية نحو الانعزالية – ممثلة في التصويت لصالح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست) وانتخاب دونالد ترمب رئيسا للولايات المتحدة – فإن التجارة البينية الإقليمية والاستثمار أكثر أهمية من ذي قبل وإلى جانب الفوائد الاقتصادية فإن التكامل سيجني فوائد سياسية مهمة حيث أن وجود آسيا متكاملة ستتمتع بالمزيد من التأثير على الساحة الدولية ولحصد هذه الفوائد، يجب على آسيا تخفيف الصراعات العسكرية والسياسية الإقليمية وتطوير رؤية طويلة المدى للتكامل الإقليمي.

 

ويوجد في آسيا بعض أخطر بؤر التوتر في العالم فهناك خطر اندلاع اشتباكات مسلحة في بحر الصين الشرقي وبحر الصين الجنوبي كما تواصل كوريا الشمالية تطوير أسلحتها النووية وصواريخها الباليستية على الرغم من العقوبات الأكثر صرامة التي ضغطت الولايات المتحدة والأمم المتحدة من أجل فرضها ومن شأن التعاون الأقوى بين الدول الأسيوية والمجتمع الدولي أن يخفف من حدة التوترات الإقليمية ويؤدي إلى تخلي كوريا الشمالية عن برامج أسلحتها النووية.

 

وقد أنشئت بالفعل بعض المؤسسات الإقليمية بما في ذلك رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) وآسيان+3 (أعضاء آسيان العشر بالإضافة إلى الصين واليابان وكوريا الجنوبية) وقمة شرق آسيا ومثل هذه المؤسسات ستكون حاسمة في حل النزاعات ووضع إطار عمل للسلام الذي يمكنه أن يدعم الرخاء الإقليمي والزعامة العالمية.

 

لكن يعتبر ذلك كله الخطوة الأولى فقط علما أن وجود رؤية مشتركة عند قادة آسيا للتكامل الإقليمي ما يزال غير واضح. وبالحكم على أساس التجربة الأوروبية – من إنشاء الجماعة الأوروبية للفحم والصلب في 1951 إلى إنشاء الاتحاد الأوروبي في 1993 – فلا توجد حاجة للإسراع في عملية التكامل لكنها ستستغرق الكثير من الوقت والجهد.

 

وربما أفضل طريقة لبدء هذه العملية هي تحديد مجالات يمكن للإقليم أن يكسب فيها أكثر في حالة التكامل واتخاذ خطوات من شأنها أن يكون لها عوائد سريعة. على سبيل المثال، يمكن للدول الأسيوية أن تمضي نحو سوق واحدة ذات قواعد مشتركة تحكم التجارة وحرية انتقال العاملين وخاصة المهرة وسيكون تدشين الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة وهي اتفاقية التجارة الحرة التي تتفاوض عليها آسيان حاليا مع ستة شركاء (أستراليا والصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية ونيوزيلندا) خطوة مهمة في هذا الاتجاه.

 

ومع الوضع في الاعتبار حساسية وضع تدفقات رأس المال عبر الحدود وسرعة تأثرها فإنه ينبغي على آسيا أيضا السعي نحو عمل مشترك بشأن قضايا الإشراف المالي والمراقبة والتنظيم لمنع وقوع الأزمات وإدارتها ويجب أن يكون هناك هدف محدد يتمثل في تحسين مبادرة شيانغ ماي متعددة الأطراف – ترتيب تبادل العملة بقيمة 240 مليار دولار أمريكي ووحدة مراقبتها – ومكتب أبحاث الاقتصاد الكلي آسيان + 3 وثمة هدف آخر يتمثل في إنشاء صندوق نقد أسيوي فعلي ذي عضوية أوسع.

 

ويجب ملاحظة أن هذه الجهود لا تهدف لإزاحة أي من المؤسسات شبه الإقليمية أو الإقليمية أو العالمية الحالية بل مع جعل آسيا لاعبا أكثر فعالية واتحادا فإن إجراءات تجارية ومالية إقليمية جديدة ستكمل وتعزز الترتيبات الحالية.

 

وفي الوقت الذي يتزايد فيه غموض النظام العالمي، يجب أن تأخذ آسيا قدرها بيديها عن طريق السعي نحو تعاون اقتصادي وسياسي إقليمي أوثق

ولكي يحدث أي من هذا فإن على البيروقراطيات والقطاع الخاص بما في ذلك قادة الشركات والأكاديميين دعم وجود التزامات سياسية عالية المستوى بالتكامل ومثل هذا الدعم يجب ألا يكون صعبا جدا حشده فالتكامل سيسهل من تبادل المعرفة القيمة بدءا من السياسات الاقتصادية والاجتماعية الفعالة إلى البصيرة التقنية والعلمية.

 

كما إن المنتديات والحوارات حول البضائع العامة الإقليمية يمكن أن تبرهن على أهميتها وذلك عن طريق تعزيز التعاون بشأن التحديات عبر الحدود بما في ذلك الأوبئة والكوارث الطبيعية والتدهور البيئي ومن شأن الاتصالات الشخصية المباشرة أن تساعد في تسليط الضوء على القواسم الثقافية والقيم الأسيوية المشتركة وتعزيز التقدم في المجالات التي قد تتخلف فيها دول محددة.

 

وفي الوقت الذي يتزايد فيه غموض النظام العالمي، يجب أن تأخذ آسيا قدرها بيديها عن طريق السعي نحو تعاون اقتصادي وسياسي إقليمي أوثق. وإذا تمكنت الدول الأسيوية من تطوير رؤية مشتركة لتجمع اقتصادي ورابطة سياسية فإن هذا القرن سيكون قرن الدول الأسيوية.

 

_____________________________

المصدر: بروجيكت سنديكت 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.