شعار قسم مدونات

أميرات ديزني.. وابنتي!

blogs - mother

من منا إذا أراد أن يمدح فتاة صغيرة لم يقل لها أنت أميرة؟ عيون كبيرة، خصر نحيل، وفساتين أسطورية في كل مكان، وتؤثر في عقول أطفالنا وهم يكبرون.. إنها أميرة ديزني.
 

خلال السنوات القليلة الماضية كان هناك نقاش فلسفي حول تأثير أميرات ديزني السلبي على الفتيات الصغيرات وتوقعاتهن حول مستقبلهن، وعندما نتحدث عن تربية الفتيات، فإن الآباء والأمهات اليوم لديهم الكثير ليقلقوا بشأنه ابتداء من الثقة بالنفس، والتصور الذاتي للجسد، وانتهاء بالاكتئاب واضطرابات الأكل، وما زالت الثقافة السائدة تعلم المرأة أن قيمتها مقرونة بجمالها لا بذكائها.
 

في سندريلا، الرسالة الأبرز "لا يهم العمل أو بذل الجهد، يكفي أن تكوني جميلة لتنالي ما تريدين"، ناهيك عن كم القبح والكره المتأصل في طرح مفهوم الخير والشر بطريقة مادية مغلوطة.

ذلك الأثر الذي لا يلهم بناتنا ليكبرن قويات، مستقلات، صاحبات عزيمة ورؤية لتغيير العالم نحو الأفضل، ففي الأميرة والوحش مثلا، لا أهمية لذكاء المرأة، وكل ما عليها أن تلبي حاجات الرجل وحسب.
 

في كتاب "سندريلا أكلت ابنتي" الذي كتبته الصحفية "بيجي اورنستين" لتساعد نفسها وأهالي الأطفال الآخرين عن كيفية تربية الفتيات في عالم الأميرات، ليكبرن كنساء عظيمات في المستقبل، وبدأت النقاش الحاد حول تأثير ديزني والتلفزيون والموسيقى والإعلام على الفتيات الصغيرات.
 

مما لا يغيب عن أحد أن شخصيات ديزني الأساسية يجب أن تكون فتاة شابة جميلة تبحث عن الرجل المناسب، بدون أي طموح آخر يخصها هي، فديزني لا تقوم هنا بوضع مقاييس الجمال فحسب، بل وتحدد الأطر التي يجب ألا تتجاوزها الفتاة، فهو لا يعلمها أن تكون مستقلة، قوية، متعلمة، محبة، وتساعد الناس، بل يصورها دائماً أنها بحاجة لمن يرعاها لتنجو وأنها دائما في خطر.
 

ففي سندريلا، الرسالة الأبرز "لا يهم العمل أو بذل الجهد، يكفي أن تكوني جميلة لتنالي ما تريدين"، ناهيك عن كم القبح والكره المتأصل في طرح مفهوم الخير والشر بطريقة مادية مغلوطة، حيث الأشرار دوماً هم قبيحون وبدينون وكبار في العمر، مما يعزز في عقل الطفل موضوع ملازمة الأخلاق للشكل بدل المضمون، ويؤثر على تفاعله الاجتماعي وفهمه للبشر في المستقبل.
 

ولا بد أن أذكر موضوع السحر المطروح بشكل أساسي لحبكة كل الأفلام بلا استثناء وهو من كبائر ديننا، وأعرج هنا على "هاري بوتر"، ومما أستغرب منه غياب هذه النقطة عن الوعي العام.
 

والصورة النمطية لجسد الأميرة كما "باربي الدمية"، أنها نحيلة وطويلة وجميلة مع التحفظ على تعريف الجمال، ويتبعها في التأثير السلبي على الفتيات "البشرة البيضاء الخالية من العيوب والمكياج والمجوهرات الغالية والفساتين المبالغ فيها والحفلات"، ويضع الفتيات في حالة البحث عن الكمال الشكلي، مع علمنا بأن الفتيات الصغيرات يمررن بمراحل التغير بالشكل بدءاً من تبديل الأسنان اللبنية وانتهاء ببداية مرحلة البلوغ، ويغيب عنا أن نجعلهن يؤمنّ بأن تغيير الشكل الخارجي لا يحتم أن يتغير الإنسان من الداخل.
 

يقسم الباحثون أفلام أميرات ديزني إلى ثلاث مراحل من حيث المضمون والتسلسل الزمني؛ الأولى مرحلة "سنو وايت" و"سندريلا" ذات الصورة النمطية للمرأة الضعيفة السلبية والمظلومة غالباً التي تنتظر الرجل ليغير حالها، مع وجود الحب الحالم والغير واقعي من أول نظرة، والحياة السعيدة الأبدية التي هي غير موجودة بالمطلق، بل علينا أن نسعى جديا من أجلها.
 

في الثانية مرحلة "الحورية الصغيرة" و" بوكاهانتس "، التي كانت تختلف قليلاً عن المرحلة الأولى بأن البطلة كانت تتمرد على أهلها لترتبط بالرجل الذي تحب، لكنها مثلاً في "الحورية الصغيرة" التي رضيت أن تضحي بصوتها حتى تحظى بلقاء الرجل الذي أحبته، وأحبها ذلك الرجل لشكلها، لا لعقلها أو لشخصيتها.
 

أما المرحلة الثالثة "الأميرة والضفدع" و" Frozen"، فأهم ما فيها أنها حافظت على الصورة النمطية للجمال ومفهومه وشكل الجسد المفضل، ناهيك عن فكرة النظام الملكي والأميرة وهي بحد ذاتها إشارة أن الأميرة فقط هي الجميلة، وهي التي تحصل على ما تريد وهي منتهى أماني كل طفلة.
 

وهنا نصل إلى موضوع النظام الملكي أو الإقطاعي المتأصل، ومنه أن البعض يولدن من العوائل المالكة ويصبحن أميرات يملكن كل شيء حتى الجمال، والأغلبية عامة الشعب الذين يخدمون الأميرة وتتفضل هي عليهم، فإذا أردنا أن نمدح فتاة صغيرة نقول مثل الأميرة، فالجاه والمال بالوراثة بدون أي جهد أو تعب والتعليم والعمل الجاد غير مهمين.
 

فهل نلاحظ هذا الكم الهائل من الرسائل الاجتماعية السلبية التي يكبر عليها الأطفال والتي ستشكل وعيهم وهم يكبرون!
 

في دراسة قامت بها جامعة "بريغهام يونغ" تحت اسم "جميلة كأميرة" في بريطانيا في حزيران 2016 على "198" طفل تحت عمر الست سنوات تعرضوا لأميرات ديزني وكيف تأثروا بها وتفاعلوا معها من ناحية صورة الجسد والصورة النمطية للذكر والأنثى، كانت النتيجة أن معظمهم قد تأثر سلوكهم الاستهلاكي في شراء الألعاب ومتعلقات الأطفال التابعة لأميرات ديزني، وفضلوا اللعب بها على ألعابهم الأخرى، ناهيك عن الصورة النمطية التي أصبحت سائدة لديهم عن الرجل و المرأة و دور كل منهم في المجتمع.

إلى أصحاب رؤوس الأموال العرب والمسلمين، إن مساهمتك في إنتاج فيلم للأطفال ذا قيم هادفة، هو لابد أعظم عند الله من كل الصور النمطية للتبرع.

لا بد وأن مر علينا العديد من الأطفال الذين يغنون "let it go"، أغنية فيلم ديزني"Frozen" الذي تم عرضه في 2013 وحطم الأرقام القياسية في شباك المبيعات ليصل إلى "1.2" بليون دولار، ليكون ضمن أكثر 5 أفلام مبيعاً في التاريخ، وأعلى فيلم رسوم متحركة مبيعاً على الإطلاق، هذا الفيلم الذي بنت عليه امبراطورية "هاسبرو" للألعاب أكثر من "500" مليون دولار، لتشكل الوعي الاستهلاكي لدى أطفالنا لتصل إلى الأكواب التي يشربون بها بل وحتى ملابسهم الداخلية.
 

السؤال هنا.. هل سنستطيع عزل أطفالنا عن هذا التأثير؟ أم تكفي متابعتهم و توجيههم ليقل الأثر السلبي عليهم؟ وهنا أضع الكرة في ملعب كل محترفي إخراج وإنتاج الأفلام، اللذين نسمع منهم جعجعة بلا طحن، أن هذه الثغرة هي أولى بأن تحاولوا سدها، لأنها التي ستشكل الضمير والعقل اللاواعي لأجيالنا القادمة، وهي لا تقل أهمية عن إقناع الغرب بأن الإسلام هو دين السلام أو القضايا الإنسانية العالمية كاللاجئين وغيرها، فالهجوم هو خير وسيلة للدفاع.
 

وإلى أصحاب رؤوس الأموال العرب والمسلمين، إن مساهمتك في إنتاج فيلم للأطفال ذا قيم هادفة، هو لابد أعظم عند الله من كل الصور النمطية للتبرع، لأن درء المفاسد أولى من جلب المنافع، وإنني أشكر وأحترم المخرج والمنتج "أيمن جمال"، الذي خطا أول خطوة على هذا الطريق، مع التحفظ على أن فيلم "بلال" كان موجهاً للغرب أكثر منه لأطفالنا، ودون محاولة حقيقية لصنع بطل مسلم للأجيال الناشئة المتعطشة.
 

فأنا أريد ابنتي أن تكبر واثقة بنفسها، قوية الشخصية، مستقلة، لا تعتبر الجمال أو الشكل الأساس في تقييم أي إنسان، أريدها أن تطلب أن تكون صاحبة سلطة تستحقها بسبب انتخابها من الناس لتخدمهم لأنها مؤهلة لهذا المنصب، لا أن تتمنى أن تصبح أميرة بالوراثة وتعتبر نفسها أعلى من بقية البشر.
فنحن بحاجة إلى فتيات واعيات يقدن المستقبل لا أميرات جميلات وحسب.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.