شعار قسم مدونات

أمن أجل الامتحانات نقرأ؟

القراءة للكتابة

أثناء كتابتي لهذا المقال، سألني أحد زملائي: هل انتهيت من الامتحانات؟ فأجبته: نعم ولله الحمد، فرد علي قائلا: لم نرك تحتفل!! ولسان حاله يقول ولماذا أنت مشغول الآن بالمطالعة أو الكتابة ؟!!

هذا المشهد باختصار يعطينا صورة مكتملة ونموذجا حول نظرة مجتمعاتنا تجاه القراءة، ذلك أنه إذ رأى أحدهم وأنت في عالم القراءة أو المطالعة فحتما يسألك أتوماتيكيا: هل لديك امتحان؟!! لأن عقله الباطن (اللاواعي) مبرمج على أن القراءة تكون للامتحانات .

القراءة المكثفة وربما الحصرية في أوقات الامتحانات ظاهرة مألوفة ومنتشرة في أوساط الطلاب في شتى الأقطار ولكن بنسب متفاوتة، فمنهم من يفتح الكتاب – أو يقرأ المذكرة- حصريا في فترات الامتحانات، ومنهم من يكتفي بمطالعة الكتب والمراجع في حدود تخصصه.
 

القراءة المكثفة وربما الحصرية في أوقات الامتحانات ظاهرة مألوفة ومنتشرة في أوساط الطلاب في شتى الأقطار

وهناك من يمارس هواية المطالعة في الفنون والحقول المعرفية المتنوعة لكن بأسلوب عشوائي غير منظم -أحيانا بالمواقع الالكترونية وأحيانا أخرى في بطون الكتب- غير أن الطلاب وكذلك الفئات المختلفة في المجتمع الذين يمارسون القراءة بشكل منتظم في ضوء خطة مكتملة الأركان، وفي الوقت نفسه يجعلون المطالعة جزءا من حياتهم اليومية قليلون جدا، بل نادرا ما تجد في بلداننا  هذا الصنف من الناس.

والسؤال الذي يطرح نفسه في هذه المناسبة هو ماهي دواعي تكثيف القراءة في أوقات الامتحانات وإهمالها بعد انقضائه؟ وكيف نجعل الأجيال الناشئة يجعلون القراءة جزءا من حياتهم؟

إن المعرفة ركيزة أساسية لتطور وتقدم الأمم، ومن خلال القراءة تُكتسب وتُنمى المعرفة، وهناك ارتباط جوهري بين تقدم أي دولة وجودة نظامها التعليمي، وما نشهده اليوم من التخلف في البلدان النامية يُعزى إلى تردي مخرجات أنظمة التربية والتعليم فيها، إذا من أين تأتي هذه الإشكالية؟ فهناك من يكيل التهم للجهات الرسمية ومنهم من يتهم للمؤسسات التعليمية، وآخرون وهم قليلون بطبيعة الحال يلقون اللوم على الطلاب أنفسهم، وأيا كان المقصر فالمسؤولية يتحملها الجميع.

بديهي أن الدافع الأساسي للقراءة الحصرية في الامتحانات هو الامتحان ذاته، ذلك أن القلق الذي يصاحب الطالب في هذه الفترات بالذات يدفعه نحو المذاكرة والاجتهاد حتى ينجح، ولكن لسوء الحظ لايستمر في القراءة والمذاكرة بعد التخلص من الامتحانات بل يطلّقها.

والمفارقة العجيبة أن الطالب ينكب على المذكرة ساعات طويلة في اليوم طوال فترة الامتحانات ، غير أنّ اليوم الأخير منه يعدّ يوم فرح ونصر عظيم بالنسبة له- بل هناك من يحتفل فيه- لأنه سوف يستريح من القراءة.

فعلى الرغم من أن السواد الأعظم من الطلاب ينتهجون في هذا المسلك إلاّ أن هناك من يستمر المطالعة بعد انتهاءه من الامتحانات غير أنه بطبيعة الحال، ينبغي علينا أن نحسن الاستغلال من هذه التجربة في أوقات الامتحانات -القراءة المكثفة- وتعميمها في حياتنا حتى ننتظم في سلك الناجحين.

هناك نماذج عجيبة لأناس جعلوا القراءة جزاء من حياتهم، منهم من يداوم القراءة أربع ساعات في اليوم، وآخرون يقرؤون خمس ساعات وبعض منهم عشر ساعات، بل يوجد في المعمورة اليوم من يقرأ 15 ساعة في اليوم، خمسة عشر ساعة !!! أرى الدهشة في وجوهكم!!

الأمر ليس مستحيلا أوصعبا للغاية، أنه عادة كأي من العادات الأخرى التي نمارسها في حياتنا اليومية مثل مشاهدة التلفزيون أوالألعاب، أو تصفح الأنترنت والتجوال الافتراضي في مواقع التواصل الاجتماعي، فمنا من يقضي ساعات مديدة ربما تتجاوز عشر ساعات في اليوم وهو يمارس هوايته هذه، وسوف نجد نفس النتيجة لو طبقنا هذه المعادلة في القراءة.

إن الطالب الذي يستعد للامتحانات يقضي ساعات للمراجعة، وكذلك الباحث الذي يُعدّ رسالته ولو واصلنا المطالعة في باقي حياتنا لأوسعت مداركنا المعرفية. ولسنا هنا بصدد المقارنة ما بين من يعمل أو يقوم بمهام أخرى مع من تفرغ للدراسة، بيد أن كل واحد منا إذ أدار وقته بكفاءة سوف يجد متسعا من الوقت للمطالعة، ومن ثم يحقق أماله وتطلعاته في الحياة بجدارة لأن القراءة أحسن معين وأخلص رفيق لتحقيق الأهداف.

فلا يطلب منك مثلا قراءة 15 أو 10 ساعات في اليوم، فلو وفرت 4 ساعات للمطالعة فبالتأكيد قرعت أبواب النجاح وقررت الانضمام إلى نادي الشخصيات المؤثرة في المستقبل فاهلا وسهلا بك، وإن وفرتها لساعتين في اليوم سوف تجني ثمارا باهضة الثمن، وإن أعطيتها ساعة ففيها خير، ولا بأس إن لم تجد إلّا أقل من ذلك – وإن قرأت ربع ساعة – لكن المصيبة الكبرى تكمن في العزوف عن القراءة وهجر الكتب، وليس هناك أدنى شك من الفروق الشاسعة في نمط الحياة بين من يقرأ ويطلع ومن لايقرا ولا يقوم بالمطالعة.

إن عمر الإنسان محدود ، ولا يستطيع أن يعيش أكثر من عمره إلّا إذا كان شخصا مهووسا بالقراءة ومحبا لها، ومن خلال المطالعة يمكنك تجاوز هذا الحاجز وابطال هذه المعادلة. إذ بواسطة القراءة تُحرز معارف المتقدمين من البشر والمتأخرين منهم، وتُوسع نطاق فهمك للحياة، وتجعلك شخصية مميزة في عصر بات التفاوت بين إنسان وآخر – لحد ما- يقيّم بمستوى المعرفه، لا بجنسه أو لونه أو عرقه، فلا تتخلف عن القرن الواحد والعشرين والأمم تتبارى نحو الاقتصاد المبني بالمعرفة والمجتمع المعرفي ولا تتأخر عن الركب.

إن تقدم أي دولة في حقبة الاقتصاد المعرفة مرهون بكفاءة مواردها البشرية، وما تحوزه من عقول أي العنصر الإنساني المؤهل، ولذلك لا بد للبلدان النامية وبالذات العربية من توفير هؤلاء الذين يقودون البلاد نحو التطور والتنمية المنشودة، وهذا يجرنا مرة أخرى إلى جودة التعليم ومخرجات النظام التعليمي.

فلو وفرت 4 ساعات للمطالعة فبالتأكيد قرعت أبواب النجاح وقررت الانضمام إلى نادي الشخصيات المؤثرة في المستقبل

فبطبيعة الحال، الامتحانات لوحدها لاتكون معيارا حقيقيا لتقييم مستوى الطالب – وإن كانت أحد أهم معايير التقييم – فقد يخفق الطالب المجتهد العبقري لانه لم يوفق، وقد يحرز الطالب المهمل دراجات عالية لانه وُفق أو يجتهد ويدرس للامتحانات فقط، وليس للمستقبل !! وبالتالي يهمل القراءة والمطالعة فترة ما بعد انتهاء الامتحانات بل قد يرمي مذكراته أو المراجع – كل ما اكمل من إختبار تلك المادة- في الزبالة.

وفي هذا السياق هناك بعض الدول التي ألغت الامتحانات من نظامها التعليمي مثل فنلندا، لتي تعد أحد أكثر أنظمة التعليم تطورا في العالم، والأعجب من ذلك أن الكثير من المثقفين والمختصين في الدول المتقدمة بالذات يناشدون حكوماتهم بأن يسلكوا نفس المسار، وذلك في الوقت الذي يتهمون أنظمتهم التعليمية بالتخلف مقارنة مع فنلندا، بل يوجد في أمريكا العديد من المناصرين لهذا الاتجاه.

إن أحد أبرز التحديات التي تواجهها القراءة في عصر المعلومات والتكنولوجيا هو سرعة تدفق المعلومات والكمية الضخمة المتوفرة منها، فمثلا في حال بحثك عن كلمة واحدة في محرك غوغل قد تجد نتائج تصل المليارات في أقل من ثانية، وعليه فالتحدي الأكبر الذي يواجه القرّاء في هذا الصدد يتمثل في اختيار المعلومة المناسبة، وبالتالي أصبحت إدارة المعرفة أولوية لدى القارئ الفطن ذو الأهداف الواضحة، حتى لا يغرق في بحر المعلومات ويصير من صنف القراء الذي يقرأون بعفوية .

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.