شعار قسم مدونات

ما هي مشكلتكم مع الله؟

blogs-الجنة

ثقيل مثل كيس من الملح أفرك وجهي، رأسي متدلٍّ كجَورب علي حبل غسيل، مجوف مثل ليمونة يابسة عُصِرَت عن آخرها ثم تُرِكَت تحت الشمس. حاولت أن أُمسِك بهذه اللحظة وأدونها لكنني لم أستطع الكتابة.

كُنت كمن يحاول أن يفتح نافذة للبرد في غرفة مريض مُصاب بالإنفلونزا، هكذا قضيت ليلتي بين نوم لا يجيء وحيرة لا أكاد أنفك منها، وما إن سمعت أذان الفجر إلاّ وقمت فتطهرت مُستقبِلاً القبلة وفي خاطري سؤال حرمني النوم طوال الليل "هل لنّا أن نبحث عن الله؟"، "بما أننا نشعر بمعيّتِه، إذاً ما الذي يدفع البعض لإنكار وجوده؟"، "لماذا انتشرت ظاهرة الإلحاد في الآونة الأخيرة؟ هل هو التطرف، العنف، الوعي المُفرِط أم هي غواية إبليس ؟"
 

نحن لسنا هنا لنبحث عن الله أو لنجده، فهو موجود من قَبلنا وسيبقى خالداً بعدنا، نحن هنا لنثبت له أننا نستحق هذه التجربة التي منحنا إياها، لنتفكر في آياته

لكنني تجاوزت كل هذه الاحتمالات مُتَهِماً نفسي بالبلاهة لأنني سألت سؤالاً كهذا، فنحن حين نشرع في التعامل مع الإلحاد على أنه ظاهرة غريبة لم نتعرض لها من قبل سيكون ذلك تشخيصاً خاطئاً ربما يزيد من تعقيد المشكلة ولن يوصلنا إلي نتيجة منطقية، لأن الإلحاد هو حالة اللاإيمان التي قد يمر بها كل واحد منا في مرحلة ما.

بعضنا يذهب بعيداً فيها ويستسلم، والبعض الآخر تُقَوِّمه نفسه وتعوزه ذاته القوية فيعود، هذه العودة دوماً ماتكون مرهونة بمدى ما يتمتع به الشخص من رصيد إيماني، وربما هذا الأمر هو ما دفع الفيلسوف الدكتور عبدالرحمن بدوي مؤلف كتاب "من تاريخ الإلحاد في الاسلام" لأن يُعَرَّف الإلحاد بأنه هو "النتيجة اللازمة لحالة النفس التي استنفذت كل إمكانياتها الدينية، فلم يعد في وسعها بعد أن تؤمن".

نحن لسنا حديثي عهد بالإلحاد وما من عصر إلا وكان له ملحدين، فنسبة الملحدين في العصر العباسي والأندلس تفوق ملحدي هذا العصر، والإلحاد ليس مجرد ردة فعل علي الحروب القائمة اليوم، فالدين ليس سبب الحروب كما يدّعي كبير الملحدين ريتشارد دوكينز بأن "خطورة الأديان في تمييزها بين البشر على مبدأ "نحن" و "هم" كما ينص على أن انعدام الأديان و زوالها سيعزز وبشكل كبير فرص انتهاء الحروب".

هذه الفرضية عارية تماماً من الصحة لأن الحروب عادة ما تنشأ بسبب خلاف سياسي أو لهدف اقتصادي، ولم يشترك العنصر الديني سوى في %7 فقط منها طبقاً لما نشرته موسوعة الحروب.

قد نختلف فيما بيننا علي الأسباب التي تدفع البعض للتفكير في الإلحاد، فالبعض قد يعزو هذه الظاهرة إلى "العنف والتطرف الذي يُمارَس باسم الدين" فجاء الإلحاد كردة فعل نفسية على هذه التصرفات، والبعض يعزوه إلى "تشويه الدين في الصراعات السياسية" فجاء الإلحاد كنتيجة على هذا التشويه من أناس أخذوا مَوقِفاً من الدين نفسه بدلاً من الطعن في السياسة، والبعض الآخر بدافع الكسل الذهني قد يعزوها إلى "غواية إبليس" لقوله تعالى: "قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ".

لكن تبقى هذه الظاهرة معقدة للحد الذي لا يسمح لأحد بأن يجزم أن عامل ما هو الدافع الوحيد لانتشار الإلحاد، وإذا ما تَم وأده هذا يعني أننا سوف نستأصل فيروس الإلحاد من جذوره، فثمة عوامل اجتماعية ونفسية وفكرية تتداخل فيما بينها تؤدي في النهاية إلي أن الإلحاد، لكن ثمة إجراءات احترازية يسعنا أن نذكرها هنا بدافع الوقاية فلربما تساعد البعض علي فهم ماهية الإلحاد وبعض مُسَبِباتِه أولها:

لا تبحثوا عن الله عند أبواق النظام وسَدَنة الديكتاتور.. هؤلاء صنعوا إلهاً صغيراً يشبههم ضيق الأفق ..يزداد متعة كلما زادت دائرة الحرام

لا تبحثوا عن الله عند أبواق النظام وسَدَنة الديكتاتور، لا تكن ساذجاً حدّ المكر بك، هؤلاء صنعوا إلهاً صغيراً يشبههم ضيق الأفق ومزاجي ومنتقم، إله يزداد متعة كلما زادت دائرة الحرام والجحيم، إله يشبع فضولهم في التجريم والقتل والوصاية وسحق الحياة وإعانة الظالم وغسيل سمعته، هذا الإله الذي صنعوه وكابروه وطاردونا به ليلاً ونهاراً في السر والجهر ليس الله خالق العباد عز وجل الله -حاشاه- فاتركهم واهرب باتجاه الله وحدك، سيسمع قلبك دائماً ولن تضل الطريق لو أخلصت النية وأحسنت القصد.

لا تبحثوا عن الله عند رجال الدين الذين يُقدمون رسالة الإسلام خاملة ورخوة عبر نسق فلسفي بديل عن النصوص الدينية الصريحة، هؤلاء لا يدعون الشباب إلي الإلحاد صراحةً بل ينقلونهم تدريجياً من مُربع اليقين إلي مربع الشك المُطلق بلسان فصيح و طَرح مُشَوّه منقوص يصبح معه الإلحاد هو الحل الوحيد الذي يلجأ إليه الشباب للخلاص من جحيم الأسئلة.

لا تبحثوا عن الله في قلوب غيركم، لا تُقدسوا ضمائر الآخرين، مَن يُقَدِسون ضمائر الآخرين لديهم ضمائر يرغبون في تنقيتها بهم، إن صلاةً يعرفها سواك لم تعد صلاتك، وإنه لا ينبغي لصلاة أن تشبه صلاة، إن لكل إنسان صلاته، سره المقدس وطريقته في مد يديه للتواصل مع الله الذي يبعث له برسائله كل يوم مرة كلاماً ومرة عابراً ومرة مناماً، لتكن لك صلاتك الخاصة التي لا يتقنها ولا يفهمها سواك، تلك التي تكون فيها في عزلة خالصة وتخلص تام مِن كل ما على الأرض.

يمكننا الآن أن نفتح قوساً و نقول..
نحن لسنا هنا لنبحث عن الله أو لنجده فهو موجود من قَبلنا وسيبقى خالداً بعدنا، نحن هنا لنثبت له أننا نستحق هذه التجربة التي منحنا إياها، لنتفكر في آياته فحتماً ستوصلنا ضمائرنا الحيّة إليه، ولن نكون بحاجة لأي أحد كي يدلّنا عليه، ثَمَ إن علاقة كهذه يجب ألاّ يكون فيها وُسَطاء.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.