شعار قسم مدونات

من أين جاء نُطق الحروف العربية؟

blogs - arabi
هذا السؤال هو أحد تلك الأسئلة التي ألحت علي لفترة أطول من أتذكرها. من أين حصلت الحروف على أسمائها؟ ولماذا تلك الأسماء بالذات؟ ثُم لماذا يبدو الأمر وكأن بعض الحروف تشير إلى أشياء مُحددة على الرغم من أن هذا يتعارض مع فكرة أن الحروف في ذاتها بلا معنى؟ مثلًا الحرف "ع" يُقرأ "عين"، ولا يُمكنك بأي حال من الأحوال أن تمنع نفسك من التفكير في العين البشرية عند قراءته، على الرغم من أنه لا تُوجد أي علاقة بينهما. أو هذا ما كُنت أعتقده.
 

خلال بحثي عن إجابات لهذه الأسئلة وأسئلة مُرتبطة، قابلني مقال على ويكيبيديا بدا وكأنه الحلقة الضائعة التي كُنت أبحث عنها. المقال كان يتحدث عن الأبجدية الفينيقية [1] ، ومنه وصلت لمقال آخر يتحدث عما يُسمى بالكتابة السينائية الأولية، نسبة إلى سيناء في مصر [2].
 

اتضح أن قصة حصول الحروف العربية على أسمائها -بل وحتى على أشكالها- أعقد وأكثر إثارة للاهتمام بكثير مما كُنت أتخيل. إيفاء الموضوع حقه يستلزم كتابة عدة مقالات طويلة تعج بالمُصطلحات الأكاديمية، ولهذا السبب أنوي الاكتفاء بلمحة عامة في هذا المقال، وبإمكان من يرغب في الاستزادة الاطلاع على المصادر المُشار إليها بالأعلى (باللغة الإنجليزية).
 

الأبجدية العربية اشتقت من الأبجدية الفينيقية واحتفظت بنفس النُطق ولكنها فقدت المعنى.

في البدء كانت لدينا الكتابة السينائية الأولية، والتي هي عبارة عن رسومات ترمز لأشياء مُحددة؛ كرسم لثور.. أو رسم لمنزل.. أو رسم لعين.. وهكذا.
 

بعد ذلك، وُلدت الأبجدية الفينيقة من السينائية الأولية. على الرغم من أن الأبجدية الفينيقية تحركت في اتجاه أكثر تجريدًا -وذلك لأنها اعتمدت رموزًا أقل تفصيلًا مُقارنة بالأصل-، إلا أنها احتفظت بنفس معاني ونُطق الرسومات التي اشتُقت منها. هذا يعني أن كُل حرف في الأبجدية الفينيقية يحمل معنى في ذاته، على عكس الحروف الحديثة.
 

الخطوة التالية في الاتجاه نحو المزيد من التجريد كانت باشتقاق الأبجدية العربية من الأبجدية الفينيقية، وهُنا هو حيث مربط الفرس.
 

التجريد يعني الانتقال من التخصيص إلى التعميم، ومن المُفصل للأقل تفصيلًا. عندما انتقلنا من مرحلة السينائية الأولية إلى الفينيقية، تم إسقاط الرسم التفصيلي واستبداله برموز، ولكن ظلت الرموز مُحتفظة بنفس معاني ونُطق الرسومات الأصلية. عندما انتقلنا من مرحلة الأبجدية الفينيقية إلى الأبجدية العربية تغير شكل الرموز مرة اُخرى، ولكن حدث شيء آخر شديد الأهمية: تم إسقاط المعاني. أصبحت الحروف العربية عديمة المعنى في ذاتها، ولكنها احتفظت تقريبًا بنفس نُطق الأبجدية التي اشتُقت منها، الأبجدية الفينيقية.
 

طيب وأين ذهبت تلك المعاني؟ تمت إضافتها للعربية على هيئة مُفردات مُنفصلة، وبنفس النُطق! الأمثلة التالية يُمكنها توضيح ما حدث:
 

– حرف "ب" اشتق من حرف فينيقي يُقرأ "بِت"، ويعني بيت، والذي بدوره تم اشتقاقه من رمز سينائي أولي عبارة عن رسم لبيت.

– حرف "م" اشتُق من حرف فينيقي يُقرأ "ميم"، ويعني مياه، وهو مٌشتق رمز سينائي أولي عبارة عن رسم لموجة.

– حرفي "س" و "ش" اشتُقا من حرف فينيقي له قراءتان: "سِن"، و "شِمس"، وبالطبع يُمكنك تخمين المعنى الذي يحمله في كُل حالة.

– حرف "ك" اشتُق من حرف فينيقي يُقرأ "كاب"، ويعني كف اليد، وهو مُشتق رمز سينائي أولي لكف اليد.

– حرف "ع" اشتُق من حرف فينيقي يُقرأ "عين"، ويعني عين، والذي بدوره قد تم اشتقاقه من رمز سينائي أولي عبارة عن رسم للعين.

– حرف "ج" اشتُق من حرف فينيقي يُقرأ "جيمْل"، ويعني جمل.

– حرف "ي" اشتُق من حرف فينيقي يُقرأ "يُد"، ويعني "يَد".

تلخيصًا، فالأبجدية العربية اشتقت من الأبجدية الفينيقية واحتفظت بنفس النُطق ولكنها فقدت المعنى (والذي أُضيف لاحقًا على هيئة مُفردات مُنفصلة بنفس النُطق)، والأبجدية الفينيقية اشتقت من الكتابة السينائية الأولية واحتفظت بنفس النطق والمعنى، وأخيرًا فالكتابة السينائية الأولية من المُعتقد أنها اشتُقت من الهيروغليفية المصرية. في النهاية، قد تكون الكتابة الهيروغليفية هي الجد الأكبر للأبجدية العربية.
 

___________________________________________________
[1] https://www.wikiwand.com/en/Phoenician_alphabet
[2] https://www.wikiwand.com/en/Proto-Sinaitic_script

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.