شعار قسم مدونات

سنة العراق.. اضمحلال الهوية وفقدان المرجعية

blogs - iraq
بعد الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003 ترنح العرب السنة بحثاً عن مرجعية دينية أو حتى سياسية، لتؤطر لهم مستقبلهم السياسي وحتى الديني أو الإفتائي، فهم على مدار السنوات الماضية في حكم صدام كان هناك مفتياً للعراق يرجعون إليه في الملمّات، بمقابل الحوزة في النجف والمراجع الشيعية المتعددة، لكن بعد هذا التاريخ فقد السنة البوصلة بعد ضياع الدولة واضمحلال الهوية السياسية والدينية.

منذ ذلك الوقت 2003 برزت هيئات وعلماء إلى المشهد الإفتائي والدعوي والسياسية الشرعية في محاولة لبناء البيت السني ومنهم الدكتور أحمد الكبيسي لكن على ما يبدو فإن الأمور لم تكن بتلك السهولة، حيث تشكلت هيئة علماء المسلمين بزعامة الشيخ حارث الضاري، لكن الهيئة اصطدمت بالواقع.

كان عليها البت بالكثير من الأمور أبرزها المشاركة في الحكم، وكان السياسيون العراقيون الذين يحكمون قادمون لتوّهم من إيران وعلى ظهر الدبابات الأميركية، لكن في الواقع هم من يحكمون ويسكنون المنطقة الخضراء فاتخذت الهيئة التي كانت لها الساحة السنية خطاً واضحاَ تدعو إليه بعدم المشاركة في الحكم، وإصدار فتوى بعدم الذهاب للانتخابات، وهو ما يعني في ذلك الوقت الانسحاب من الساحة وتركها وبالتأكيد ستملأ من غيرك.

لا يوجد مستقبل للأجيال القادمة وسط ضياع الهوية وانعدام الاعتزاز التاريخي تحت ركام ضجيج الحياة ومتطلباتها والتفكير في بناء ما أفسده المفسدون.

كثير من العرب السنة كانوا يتبعون هيئة العلماء لعدة أسباب منها رمزية الشيخ حارث الضاري ومقاومة ابيه الاحتلال البريطاني، ومنها أنها الهيئة الوحيدة في الساحة وسط غياب الرؤية وضياع الهدف فإنهم يتمسكون بكل شيء، لكنهم الآن يعتبرون ما حدث في تلك الفترة كان خطأً جسيماً، ولا يمكن إصلاح أو تعويضه، فالأجهزة الأمنية تطوع لها غيرهم، ودوائر الدولة والمجالس المحلية مُلئت، وهو ما يعني عزلة واضحة عن الحياة.

ومن الواضح أن السنة يغيبون بغياب الدولة ويعودون بعودتها، فهم مدنيون بالطبع، ولا قدرة لهم على اللادولة، لذلك انقسموا بعد هذه الفترة، وأعني هنا بعد عام 2003 بحثاً عن القانون والدولة، حتى المعارض للعملية السياسية فهو يبحث عن القانون ويطالب بعودة الدولة والمؤسسات الحقيقية، ومنهم من قاتل القاعدة في 2007 لإعادة الدولة والقانون، ومنهم من تظاهر في 2013 لنفس الغرض، وقد فشلوا جميعاً في تحقيق هدفهم؛ لأن فوضى "اللّادولة" كانت لها الكلمة الفصل وأقدر منهم على منع عودة الدولة للعراقية.

بعد تجربة هيئة العلماء وعدم نجاحها في بتقديم شيء واضح للمكون السني وزجه في معترك الحياة برزت هيئات أخرى لكنها ابتعدت نوعا ما عن السياسية وعن الخوض في أمور المصلحة العامة واتجهت نحو الأمور الشرعية والدعوية، ولعل تجربة هيئة العلماء بعثت على القلق والتوجس من الخوض في غمار تجربة ربما لا تحمد، وهذا يعني بالطبع تقدم غير الأكْفاء لقيادة الساحة السنية، فبرز مجلس علماء العراق عام2007 وانبثق منه المجمع الفقهي العراقي عام 2012، ولا تخلو الساحة من هيئات أخرى كدار الإفتاء العراقية القريبة من المالكي برئاسة الشيخ مهدي الصميدعي، وهو رغم قربه الواضح من إيران والحكومة العراقية عموماً والحشد الشعبي إلا أنه من الواضح لم يستطع لغاية الآن إحداث تغيير نوعي في الساحة.

الجمهور السني في عمومه الآن في غيبة عن الواقع الدعوي والإفتائي وحتى السياسي بسبب الظروف التي ألمّت به، فداعش يتربص به، وينتظر الفرصة السانحة للإغارة على مناطقهم في الأنبار وصلاح الدين، ويرسل الإنغماسيين إلى "الجنة" عبر أراضيهم، وما زال الكثير منهم في نزوح قسري لا تُعرف مدته ومتى ينتهي، والذي عاد وجد بيته لم يتبق منه حجر على حجر فعاد من جديد ليلملم شتاته، وهو في هذه الحالة بعيد جداً عن المشاركة المجتمعية الفاعلة وصناعة القرار وبناء مؤسسات ما يعني عودة سريعة إلى الوراء.

ترزح مناطق الأنبار الآن وصلاح الدين وديالى تحت وطأة انعدام البنى التحتية والمدارس والخدمات بصورة عامة، مع مشاكل في رواتب الموظفين العائدين من النزوح، في مثل تلك الأجواء لا توجد آمال بالتفكير في مستقبل تلك المحافظات والأجيال القادمة وسط ضياع الهوية وانعدام الاعتزاز التاريخي تحت ركام ضجيج الحياة ومتطلباتها والتفكير في بناء ما أفسده المفسدون.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.