شعار قسم مدونات

التعليم المرن.. كيف أحصل لابني على شهادة؟

blogs-التعليم

في المقال السابق تحدثنا عن فلسفة التعليم المنزلي أو المرن -يُرجى قراءته قبل هذا المقال-، وأوضحنا بعض الأمور الملتبسة حول ماهية وفلسفة التعليم المنزلي، وفي هذا المقال سوف نتكلم عن بعض الصعوبات التي تحول دون خوض كثير من المهتمين تجربة التعليم المنزلي، وأولها وأبرزها هي الشهادة. أريد أن أؤكد أن التعليم المرن يعتمد على ظروف كل أسرة، فقد تكون هناك أسرة غير قادرة على القيام بالتعليم المرن؛ فهذه الأسرة تسدد وتقارب وتبحث عن أجود خيار تعليمي لابنهم سواء مدرسة أو غيرها.
 

نعود الآن لموضوعنا الأساسي: يتساءل كثير من الآباء: قد اقتنعنا بأهمية التعليم المرن ولكن كيف يحصل ابنهم على شهادة تثبت أنه درس مرحلة ما وأتمها؟ وللرد على هذا التساؤل ينبغي أولًا أن نعلم أن الشهادة ليست هي الغاية من وراء العملية التعليمية؛ بل هي مجرد شيء له جانب من الأهمية بالطبع في هذه العصر؛ ولكن ينبغي أن يوضع في مكانه اللائق به.
 

كثيرًا من العلماء والأدباء والمفكرين والفنيين المتقنين لم يدخلوا يوما المدرسة، أو دخلوها ثم تم اتهامهم بالغباء والحُمق من قِبل المدرسين وزملائهم

في خضم هذا الصراع المادي الرهيب الذي يدور من حولنا صارت فقط الشهادة أداة من أدوات التسليح اللازم للتعامل مع هذه الحياة الطاحنة، أصبحت مهمة فقط للحصول على وظيفة، ولكن ما يهمنا هنا أن نؤكد على أنها ليست أمرًا جوهريًا بالغ الأهمية بحيث نقوم بالتخلص من الكثير من المبادئ المهمة في سبيل الحصول عليها، وبحيث نتغاضى عن كثير من المساوئ المتواجدة في العملية التعليمية النظامية من أجل ورقة إثبات نترك من أجلها أطفالنا ضحية لعملية غسيل مخ وتنكيس فطرة.
 

كثير من الأعمال لا تتطلب هذه الشهادة -التي سنتحدث بعد قليل عن كيفية الحصول عليها-، ولكننا لا نفكر أبدًا خارج الصندوق الذي وُضعنا فيه من عشرات السنين، ذلك القالب الذي لا مكان فيه إلا للمنتجات البشرية للمدرسة النظامية، مما أدى أيضًا لاحتقار الكثير للمهن الفنية مع أهميتها القصوى في حياتنا، صرنا ننظر كعرب على وجه الخصوص باحتقار للمزارع والحداد والنجار والتاجر والكهربائي والميكانيكي وعامل المصنع وغيرهم، مع أن هؤلاء يُعدون أفذاذًا وعلماء في مجالاتهم المختلفة، فصار تعريف العلم هو الدراسة فقط في المدرسة النظامية التي تُعطي تلك الشهادة المزركشة!
 

ولكن التميز المهني والعلمي في الحقيقة متشعب ومتنوع تنوعًا كبيرًا جدًّا، هو التخصص والمعرفة المعينة في مجال ما أيًّا كان هذا المجال، إذا اقتنعنا بأن هذا هو تعريف التميز، فستفتح أمامنا أبواب كثيرة من أبواب التميز، وهذا من شأنه أن يوفر للطفل الفرصة المناسبة لاختيار ما يحب وما يمكنه أن يبرع فيه؛ فبعض الأطفال ليس لديهم القدرة على تعلم العلوم النظرية أو الطبيعية، ولكنهم لديهم القدرة على أن يبرعوا في رياضة ما أو حرفة ما أو قطاع فني معين.
 

وأكبر مثال على هذا الشخص المحتقر في بلادنا الذي لم يتلق تعليمًا كافيًا في المدرسة ولكنه بارع في مجاله: مهندس للسيارات، فهو متفوق مهنيًّا وعمليًّا عن الذي درس الميكانيكا في أشهر الجامعات! ولكنه في بلادنا عبارة عن شخص جاهل يعلو جسمه الشحم! هكذا ننظر إلى الميكانيكي أو مهندس السيارات! قس على ذلك النجار والخطاط.. إلخ مع أن هؤلاء في بلاد أخرى يحظون بتقدير واحترام بالغين.
 

يمكنك أن تحصل لابنك على شهادة بتسجيله في مدرسة مع الاتفاق مع الإدارة على أن يحضر الامتحانات فقط، وهذا موجود في عدة دول عربية؛ كنظام المنازل في مصر

إذن الشهادة ليست الباب الوحيد للتميز المهني وتحصيل العلم، ليست مسألة حياة أو موت في المسيرة التعليمية، فينبغي أن نوسع مداركنا قليلًا وزاوية نظرنا للحياة ولا نحصرها في باب ضيق جدًّا. ولسنا بحاجة إلى التذكير بأن كثيرًا من العلماء والأدباء والمفكرين والفنيين المتقنين لم يدخلوا يوما المدرسة، أو دخلوها ثم تم اتهامهم بالغباء والحُمق من قِبل المدرسين وزملائهم، وبعضهم هرب من المدرسة بعد مدة قليلة من بدء الدراسة! فهذا أمر مشهور.
 

نأتي الآن إلى السؤال الذي أظن أنه يدور الآن في ذهن بعض القراء: هل تقصد أن الشهادة ليس لها قيمة؟ بالطبع لا، فالشهادة المدرسية أيضًا تفتح المجال للكثير من الفرص في الدراسات العليا والعمل واكتساب الخبرات، فقط نريد أن نبين أنها ليست الوحيدة، وأنه ينبغي الموازنة بين السعي للحصول عليها وبين احتياجات الأبناء النفسية والتربوية والعلمية.
 

ومن قال إن التعليم المنزلي لا تحصل معه على شهادة؟
بالطبع يمكنك -إذا كان عائقك الوحيد من خوض تجربة التعليم المنزلي هو ظنك عدم إمكانية الحصول على شهادة- يمكنك أن تحصل لابنك على شهادة بتسجيله في مدرسة مع الاتفاق مع الإدارة على أن يحضر الامتحانات فقط، وهذا موجود في عدة دول عربية؛ كنظام المنازل في مصر على سبيل المثال.
 

أو أن تحضّر ابنك عن طريق المذاكرة وإحضار مدرسين له وإعطائه دورات في الجوانب العلمية المختلفة وعند إتمامه ستة عشر عامًا يمكنك أن تجعله يحصل على شهادة "GED" على سبيل المثال، وهي اختصار "General Educational Development"، وإذا اجتازها الطالب سيُعتبر حاصلًا على ما يعادل الشهادة الثانوية الكندية والأمريكية، وهي شهادة معترف بها في أغلب جامعات العالم المتميزة، يقوم الطالب بدراسة عدة كتب وعند انتهائه منها وإتقانه لها يقوم بالتقدم للامتحان فيها وإذا اجتازها فسيحصل على الشهادة.
 

هناك طرقًا كثيرة أصبحت متوفرة للحصول على شهادات تجعلك لا تلقي ابنك في مدرسة ذات نظام أشبه بالعسكري خاصة في بلاد ما يسمونه بـ "العالم الثالث"

إضافة إلى شهادات الدورات العلمية والفنية التي ستقوم بتوفيرها لابنك سواء المجانية أو ذات الأجر المادي، التي عن بُعد منها أو عن طريق التعليم المباشر، وذلك على مدار سنوات تعليمه المرن، بحيث سيجمع العديد من شهادات الدورات المتخصصة.
 

القصد أن هناك طرقًا كثيرة لا يتسع المقام لذكرها أصبحت متوفرة للحصول على شهادات تجعلك لا تلقي ابنك في مدرسة ذات نظام أشبه بالعسكري خاصة في بلاد ما يسمونه بـ "العالم الثالث" يفقد فيها كثيرًا من مهاراته التي يستطيع التميز فيها أم تجعله لا يجد مواهبه التي بداخله ويحتاج فقط مناخًا ذكيًا لاكتشافها..

إلا إذا وجدت مدرسة متميزة تجمع بين فكرة المدرسة وفكرة التعليم المرن، بحيث تتم مراعاة احتياجات الطفل النفسية بجانب احتياجاته الدراسية، على غرار المدارس الفنلندية التي لا تزيد عدد ساعاتها عن أربعة ساعات يوميا تقريبًا، وتُراعى فيها حاجة الطفل للعب والترفيه، وتستخدم طرقًا تعليمية مبتكرة في إطار تعاوني مع الوالدين، فحينها ستجمع بين الخيرين، التعليم المرن والحصول على الشهادة.
 

وفي المقال القادم نتحدث عن صعوبات أخرى تحول دون خوض تجربة التعليم المرن.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.