شعار قسم مدونات

المصالحة المصرية.. عندما ينتصر الفشلة

Security forces stand guard as Salafist cleric leader Yasser Borhamy leaves a school used as voting centre after casting his vote in Alexandria, Egypt, October 18, 2015. Egyptians turned out in low numbers on Sunday to vote in the first phase of an election hailed by President Abdel Fattah al-Sisi as a milestone on the road to democracy but shunned by critics who say the new chamber will rubber stamp his decisions. REUTERS/Asmaa Waguih

عندما قررت سلفية برهامي وحزبها "النور" المشاركة في مشهد انقلاب يوليو 2013، كان تبرير ذلك هو جواز أكل الميتة للمضطر. وأعلنوا وقتها ثلاثة أسباب دفعتهم لذللك:
1- منع إراقة الدماء.
2- الحفاظ على الدستور وخاصة المواد المتعلقة بالشريعة.
3- الحفاظ على مجلس الشورى.
 

وبالطبع لم يحدث شيء من ذلك، وأخلف السيسي معهم كل وعوده، وبالتالي خسر الحزب عددا كبيرا من أنصاره، وقد ظهر ذلك في أول انتخابات برلمانية، حيث لم يحصل الحزب على شيء يُذكر بعدما كان حاصدا لأكثر من ربع مقاعد برلمان الثورة!!
 

السيسي فاشل في إدارة الدولة وفي الحفاظ على أنصاره وإبقاء داعميه، وخصومه فاشلون في إدارة الثورة وكسب المؤيدين

إذن.. فالميتة التي أفتاهم ياسر برهامي بأكلها كانت مسمومة، وبدلا من أن تكون سببا لحفظهم من الهلكة كانت أسرع أسباب موتهم. وكذلك زعم السيسي أنه انقلب حفظا لمصر من الهلاك على يد الدكتور محمد مرسي وجماعته، وما كان منه إلا أنه أهلك الحرث والنسل، وذهب بمصر في واد سحيق يعلم الله وحده متى وكيف يمكنها الخروج منه. وما أظن أشد المعارضين لحكم الدكتور مرسي كان يتخيل أن تصل بلدنا الحبيبة لِعُشر ما وصلت إليه من الفشل السياسي والتصدع الاجتماعي والانهيار الاقتصادي الذي وصلت إليه الآن.
 

إذن.. لم ينجح السيسي في أي ملف على أي مستوى محلي أو إقليمي أو دولي. وفي المقابل كان معسكر دعم الشرعية الذي فشل هو الآخر في تحقيق أي تقدم ملحوظ لمصلحة الثورة أو في سبيل عودة الشرعية، وكانت تحركاتهم مفتقدة لأي رؤية في سبيل تحقيق الأهداف المنشودة!
 

ومرت ثلاث سنوات ونصف وكأننا نشاهد مباراة كرة يتفنن كل فريق فيها كي يحرز الأهداف في نفسه، وكأن الحَكَم قد سمح لكل فريق أن يلعب بكرة خاصة به حتى يتمكن من إحراز أكبر عدد من الأهداف في مرماه. وعجزت العدادات عن إحصاء الأهداف، ولم يتمكن المعلق من وصف ما يراه لمتابعي الشاشات وأصبح كالمجنون يهذي ضحكا دون كلام مفهوم، وأصيبت الجماهير بالجلطة القلبية والفشل الكلوي والتليف الكبدي من هول ما يحدث أمام أعينهم.
 

واليوم، وبدلا من أن يخرج الحكماء والعقلاء بمطالبة الفشلة بالتنحي والخروج من المشهد مهما كانت سلطاتهم ومناصبهم.. نُفاجَأُ برفع شعار "المصالحة هي الحل"! بالنسبة لياسر برهامي فقد كثرت النداءات له بأن هذا الخطاب النفاقي التملقي للقتلة الظلمة لا يصلح عند أبناء التيار السلفي الذي تربى على المبادئ والثوابت؛ ولم يرجع.
 

التراجع للخلف في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ أمة الإسلام يعني عدم قيامها مرة أخرى قبل عدة عقود من الزمن، وبتضحيات أكبر بكثير من التي تقدمها الآن..

وأما السيسي فقد تم تحذيره من خسارة أتباعه بديكتاتوريته فضلا عن حمقه وغبائه؛ فلم يستجب. وأما معسكر الثورة ودعم الشرعية فإنه أصر على إسقاط ثورته وهدم شرعيته بسيره عكس الاتجاه الصحيح الذي كان يلزمه السير فيه، والذي كان ملخصا في نداء الرجل البصير حازم صلاح أبو إسماعيل أنْ "أدركوا اللحظة الفارقة" وللأسف.. ضيعوا كل فرص الحسم والنصر طيلة السنوات الست الماضية!
 

والآن يطالبوننا بأكل الميتة المسمومة زعما بأنها سبيل النجاة. وإن شئتم.. أزيدكم من السم كأسا -بل- كؤوسا:
1- هذه المصالحة ليست فقط إقرارا بفشل الثورة في مصر، ولكنها بمثابة المسمار الذي يُدَق في نعش كل الثورات العربية، وهي حكم بالموت العاجل لثوار ومجاهدي ليبيا وسوريا واليمن، حيث مصر هي القاطرة والأمل بعد الله بالنسبة لهذه البلدان.
 

2- كما تُعتبر اعترافا بصحة المسار المنحرف الذي سار فيه ياسر برهامي وحزبه، ويبقى على موقعي هذه الاتفاقية المشؤومة أن يقدموا له اعتذارا عن اتهامات الخيانة التي لطالما رموه بها على مدار الفترة الماضية، وهذا بمثابة شرعنة الركون إلى الظالمين ومناصرة المجرمين بدلا من مواجهتهم والسعي لإسقاطهم.
 

3- التراجع للخلف في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ أمة الإسلام يعني عدم قيامها مرة أخرى قبل عدة عقود من الزمن، وبتضحيات أكبر بكثير من التي تقدمها الآن، حيث سيرث الجيل القادم ميراث الذل والمهانة والتبعية لفترة لا يعلمها إلا الله، ولعله يلعن من ورَّثوه إياها.
 

4- الخطير في ذلك كله هو إبقاء الفاشلين في مناصبهم، والأخطر هو اعتبار فشلهم نجاحًا وخيبتهم حكمةً، فالسيسي فاشل في إدارة الدولة وفي الحفاظ على أنصاره وإبقاء داعميه، وخصومه فاشلون في إدارة الثورة وكسب المؤيدين.
 

المجرم المسمى عبد الفتاح السيسي هو شخص بلا عهد ولا أمان، وأن كل قيادات العسكر في مصر لا تقل عنه خيانةً ولا غدرا.

والسؤال المنطقي من القارئ الكريم: وما هو الحل إذن؟
أقول وبالله التوفيق: الحل في تنحي كل قيادات الثورة التي شاركت بقصد وبغير قصد في الوصول إلى الأوضاع الراهنة، وأن يفسحوا الطريق لوجوه جديدة بفكر جديد تسعى لتملك أدوات الثورة الحقيقية، قيادات جديدة تعلم أن كل ثورة بلا قوة هي ثورة فاشلة، وأن كل رفض بغير قوة لأي انقلاب عسكري هو سعيٌ لاستقراره وتثبيتٌ لأركانه، وأن تحرير الأسرى والمعتقلين أمر له أدواته وتخطيطاته. والعاجز عن الزواج يصوم ولا يحل له الوقوع في الفاحشة.
 

وقبل أن يستدل عليَّ أحد بما فعله النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم الحديبية، أو بما فعله خالد بن الوليد رضي الله عنه يوم مؤتة.. أجيب بجملتين:
الأولى: أنهما قد استفرغا وسعهما لإعداد العدة وامتلاك أسباب القوة قبل ما فعلوه، وهذا ما لم تفعله قيادات اليوم التي اتكلت على المجتمع الدولي والنظام العالمي.
الثانية: أنهما بعد ما فعلوه قد انفصلوا عن معسكر الأعداء لاستكمال القوة وإعادة الكَرّة، ولم يعيشوا في كنفهم كما تدعو مصالحة اليوم الآثمة الظالمة.
 

وأخيرا.. أُذكِّر الجميع بأن المجرم المسمى عبد الفتاح السيسي هو شخص بلا عهد ولا أمان، وأن كل قيادات العسكر في مصر لا تقل عنه خيانةً ولا غدرا "فهو منهجٌ تربوا عليه، وليس مجرد صفة شخصية" وبالتالي.. فكل اتفاق مع هؤلاء مجرد هراء وعبث لا يُنتظر من ورائه ذرة خير.
والله من وراء القصد

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.