شعار قسم مدونات

دور المرأة المقدسية في مقاومة المشروع الصهيوني (1)

blogs - الاقصى

شهد القرن الماضي ظلماً فادحاً على الشعب الفلسطيني، فقد أعطى من لا يملك وعداً لمن لا يستحق، فكان وعد بلفور بمنح اليهود "وطناً قومياً" في فلسطين، ومنذ أن اتضحت معالم المشروع الصهيوني، سيما من خلال الهجرة اليهودية في عشرينيات القرن الماضي، انتفض الشعور الفلسطيني لحماية الوطن من ذلك الخطر، ورغم أن جميع المدن الفلسطينية شاركت في المقاومة، غير أن نصيب الأسد كان لمدينة القدس، نظرا لمكانتها الدينية والسياسية.
 

وكان للمرأة دور محوري في مجريات المقاومة، فلم تترك ميداناً إلا واقتحمته، ونافست فيه الرجل، فأثبتت صدق الانتماء والوفاء للقضية.
 

كانت النقلة النوعية ببداية عمل سياسي نسوي منظم، فبعد ثورة "البراق" بادرت مجموعة من نساء القدس إلى تأسيس الاتحاد النسائي العربي.

وسيسلط هذا المقال الضوء على دور المرأة المقدسية في مقاومة المشروع الصهيوني، من خلال ثلاثة محاور هي "المقاومة السياسية، والمقاومة المسلحة، ودعم صمود المجتمع"، وسيشير إلى رد الفعل الانتقامي من الاحتلال الإسرائيلي.
 

المقاومة السياسية:
أخذت المقاومة السياسية للمرأة طابعاً تصاعدياً، ربما على خلاف المقاومة عند الرجل، فقد بدأ دور الرجال بتأسيس الأحزاب السياسية، ومن ثم النزول إلى الميدان، فكانت قيادة الأحزاب هي التي تدعو إلى المظاهرات والاضرابات، لكن الأمر مختلف عند المرأة المقدسية، فقد بدأت نضالها بالميدان، ثم جاء تأسيس الكيان السياسي، بعد أن أثبتت حضورها في الشارع العربي، وهذا في حد ذاته انجاز للمرأة، فنزولها إلى الشارع لمقاومة الخطر المتربص بالوطن، لم يكن نتيجة دعوة من قيادة تستشعر الخطر، وتوجه الشعب إلى التصدي له، بل إن كل واحدة منهن، كانت قائدة، تستشعر عظم المسؤولية والأمانة، فتنزل إلى الميدان بتكليف شخصي.
 

ولعل أول تحرك نسائي مؤثر، كان في عام 1925، ففي ذلك العام زار بلفور مدينة القدس للمشاركة في افتتاح الجامعة العبرية، وأراد زيارة المسجد الأقصى، فمنعه المسلمون والمسيحيون من دخول المسجد الأقصى، أما النساء فشاركن في مظاهرة مقابل بيت المندوب السامي احتجاجا على الزيارة، منهن سيدة بثلاثة أغطية على وجهها من مدينة الخليل، وسيدة بغطاء واحد من القدس، وأخرى غير محجبة وهي مسيحية، وذلك كما جاء في شهادة مهدي عبد الهادي، في الجزء الأول من فيلم النكبة، الذي أنتجته قناة الجزيرة.

وتواصل هذا الدور النضالي للمرأة، في ثورة البراق عام 1929، لكنه شهد تطوراً ملحوظاً، إذ بدأ يأخذ طابع العمل المنظم، من مجموعة من النساء، ولم يكن بعد قد تحول إلى هيئة أو كيان سياسي.

ففي تلك المرحلة عقد اجتماع نسائي شاركت فيه مسلمات ومسيحات، منهم "ماتيل مغنم، وعنبرة الخالدي، وطرب عبد الهادي"، وأسفر عن جملة قرارات، وعن انتخاب وفد منهن لمقابلة المندوب السامي الذي استقبلهن بحضور قرينته.
 

ولما عاد الوفد إلى بقية النساء، انطلقت مظاهرة نسائية كبيرة في شوارع القدس، وقد أثارت هذه المظاهرة في حينها حماساً شعبياً كبيراً، فقد كانت نقطة انطلاق للقطاع النسائي، الذي كان منصرفاً للعمل الاجتماعي، كي يبدأ العمل السياسي، كما جاء في مقال بعنوان "دور التاريخ الشفوي في الحفاظ على الهوية الوطنية الفلسطينية"، للكاتبة "رفعة أبو الريش".
 

وتضيف أبو الريش أنه وبعد هذا الاجتماع، عهد إلى اللجنة المنتخبة بأن تتماشى بجهودها مع اللجنة التنفيذية، التي سبق وتألفت من الرجال، واعترفت بها الحكومة، فأصبحت تسمى اللجنة التنفيذية للسيدات العربيات، وبدأت بتنظيم الاحتجاجات، والمظاهرات، والمطالبة بالحقوق العربية، وقد اتخذ النساء قراراً مشفوعاً بالقسم، بمقاطعة المتاجر اليهودية مقاطعة تامة.
 

ثم كانت النقلة النوعية، ببداية عمل سياسي نسوي منظم، فبعد ثورة "البراق" بادرت مجموعة من نساء القدس إلى تأسيس الاتحاد النسائي العربي، وفي مقدمتهن "زليخة الشهابي" وشاركها في التأسيس "خديجة الراغب الحسيني، وأرنستين الغوري، وسعدية إحسان الجابري، وبهيرة نبيه العظمة، ووحيدة حسين فخري الخالدي، ونعمتي جمال الحسيني، وطرب عوني عبد الهادي، وكترين شكري ديب، وأنيسة صبحي الخضرة، وميليا السكاكيني، وعائشة سعيد الحسيني، وفطوم كمال البديري، وشاهندة الدزدار، وزهية النشاشيبي، وكلير انسطاس حنانيا"، كما ذكر موقع الموسوعة الفلسطينية على الشبكة العنكبوتية.
 

وحسب الموسوعة الفلسطينية، فقد كان لذلك الاتحاد دور طليعي في نشر الوعي، والدعوة إلى تحصين فتيات فلسطين بالعلم والمعرفة، والخروج إلى العمل وصولاً إلى مهنة شريفة تمكنهن من أداء واجب العطاء لأسرهن وعائلاتهن، ولرفع مستوى المجتمع اقتصادياً واجتماعياً وعلمياً.

وهنا نجد أن كل الجمعيات المقدسية اشتركت في هدف رئيس، وهو مقاومة الصهيونية، والدفاع عن عروبة القدس وكل فلسطين، فالأدوار السياسية، ليست حكراً على الجمعيات السياسية، بل إن للجمعيات الأدبية والثقافية والنسائية نصيب منها، وإن بنسب متفاوتة، وذلك نظراً للواقع الذي كانت تعيشه البلاد، والذي يحتم على الجميع أن يدافع عن المصالح العربية بكافة أشكال النضال.
 

يتجلى وعي المرأة الفلسطينية بأهمية التوحد في ميدان المقاومة،  فالمسلمين والمسيحيين، مستعدون للدفاع عن مقدسات بعضهم البعض، فكل فريق سيحمي مقدسات الآخر.

وخلال انتفاضة عام 1933، لم يطرأ تغير يذكر على نضال المرأة، تقول صحيفة "الفتح" المصرية، التي كانت تصدر في الفترة ما بين 1926-1947، إنه بعد ازدياد الهجرة الصهيونية إلى فلسطين، ورفض الحكومة البريطانية وضع حد لها، دعت اللجنة التنفيذية العربية إلى مسيرة، فاجتمع يوم الجمعة 13 تشرين أول "أكتوبر" 1933م، نحو "30" ألفا من المسلمين والمسيحيين، في ساحة المسجد الأقصى المبارك، ثم توجهوا إلى كنيسة القيامة، وقد استعملت الشرطة البريطانية القوة لتفريق المتظاهرين، فجرح عدد من العرب، وخمسة من رجال الشرطة البريطانية.
 

أما عن دور المرأة في تلك الثورة، فقد تمثل حسب الصحيفة في الطواف على الجرحى، وشكرهم على تضحياتهم.
 

وفي 15 نيسان "أبريل" 1933م، شاركت نساء القدس في مظاهرة احتجاجية على زيارة مسؤولين بريطانيين إلى البلاد، هما "اللورد اللنبي" واللورد "سوينتون"، سارت النساء رغم هطول الأمطار، وعبرن شوارع القدس إلى مسجد عمر، حيث ألقت "ماتييل مغنم" -مسيحية- كلمة من منبر المسجد، وسارت المظاهرة إلى القبر المقدس، فألقت "طرب عبد الهادي" -مسلمة- كلمة أمام مقبرة المسيح، كما تقول "فيحاء عبد الهادي" في مقالها "نساء مقدسيات في الذاكرة الشعبية الجماعية".
 

وهنا يتجلى وعي المرأة الفلسطينية بأهمية التوحد في ميدان المقاومة، فهذا التناغم فيه إشارة للحكومة البريطانية والحركة الصهيونية، أن المسلمين والمسيحيين، مستعدون للدفاع عن مقدسات بعضهم البعض، فكل فريق سيحمي مقدسات الآخر، تماما كما يحمي مقدساته.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.